للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثراء الطائل منهم ودينارين لمتوسطى الثراء ودينارا لعامتهم ممن يتكسبون كسبا لا يضيرهم معه دفعه. وكانت قيمة الدينار حينئذ نحو اثنى عشر درهما، وهذا كل ما يدفعونه فى العام المتطاول، وهو فى حقيقته لم يكن سوى ضريبة دفاع عنهم.

ويتراوح ما كان يؤديه أهل الذمة ببغداد فى أوائل القرن الثالث بين مائة وعشرين ألف درهم ومائتى ألف (١)، مما يدل على أن دافعى الجزية فى تلك الحقب كانوا لا يزيدون على نحو عشرين ألفا، فإذا أضفنا إليهم العاجزين عن الكسب من النساء والأطفال والشيوخ وغيرهم ممن ذكرناهم آنفا تبين أن عدد أهل الذمة حينئذ ببغداد كان لا يقلّ عن نحو ستين ألفا. وكانوا جميعا يشدّون إلى أوساطهم زنانير أشبه بأحزمة.

وكان أهل بغداد وغير بغداد من المسلمين يعاملونهم معاملة حسنة، فكانوا يوسعون لهم فى كل عمل معهم، وكانت العامة تأنس خاصة للمسيحيين منهم، إذ كانوا يؤثرونهم على المجوس ويرونهم أسلم صدورا من اليهود، كما يقول الجاحظ فى رسالته الرد (٢) على النصارى، وفيها يذكر أن الخلفاء والولاة قربوهم منهم واستخدموهم فى الدواوين وقاموا لهم على كثير من شئونهم وأنهم كانوا ينهضون بحرف جليلة مثل العطارة والصيرفة، وكان منهم أطباء الخلفاء والوزراء وعلية القوم وأطباء البيمارستانات، حتى استقر فى أنفس الناس أن الطبيب الحاذق لا يكون إلا مسيحيّا. أما اليهود فكانوا يعملون فى أحقر المهن، حتى ليقول الجاحظ فى الرسالة آنفة الذكر:

«لا تجد اليهودى إلا صباغا أو دبّاغا أو قصّابا (جزارا) أو شعّابا (مصلح جرار وأحدية)»؛ ويقول ابن قتيبة إنهم أنتن خلق الله فناء (٣). وكان النصارى يتخذون أفخر الدواب والثياب والخدم ويتمتعون مثل العلية بلعب الصوالجة، وحتى تسموا بأسماء المسلمين مثل الحسن والحسين كما يقول الجاحظ.

ويأمر المتوكل لسنة ٢٣٥، بأن يلبس أهل الذمة كلهم الطيالس العسلية


(١) كتاب الخراج لقدامة (طبع ليدن) ص ٢٥١ وابن خرداذبة ص ١٢٠.
(٢) انظرها فى ثلاث رسائل للجاحظ نشر فنكل.
(٣) أدب الكاتب لابن قتيبة (طبعة ليدن) ص ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>