للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزمان الطويل لا تنقطع مناظرتهما ومكاتبتهما فى قسمة وتجزئة صوت واحد (١)».

وقد توزّعا المغنين والمغنيات فى القرن الثالث، فكان من ينكر تغيير الغناء القديم يأخذ بمذهب إسحق، ومن رأى التجديد والتغيير فى الألحان يأخذ بمذهب ابن المهدى. ونستطيع أن نعين أهم من تعصبوا لهذا أو ذاك، فمن كان يتعصب لإسحق من المغنين المشهورين فى هذا العصر أحمد بن يحيى المكى، وله ترجمة (٢) فى كتاب الأغانى وكان إسحق يقدمه ويؤثره، ولحق عصر المستعين، وكان ابنه محمد يحذق الغناء على شاكلته ولحق عصر المعتمد. وممن كان ينهج منهج إسحق بنان، وكان أخصّ الناس بالمتوكل والمنتصر، وكان إذا اجتمع هو وزنام الزامر على الضرب بالعود والزمر أحسنا وفتنا وأعجبا. ومنهم أيضا عبد الله (٣) بن أبى العلاء، وقد عمّر إلى آخر أيام المعتصد وكانت تقوّم دابّته وثيابه إذا ركب بألف دينار، وابنه أحمد كان من المغنين النابهين. وممن كان على نهج إسحق أيضا القاسم بن زرزور وولده وجوارى آل هاشم وآل الفضل بن الربيع ومن جرى مجراهم ممن تمسّك بالغناء القديم وحمله كما سمعه (٤). وممن كان على مثاله أيضا الزّبير بن دحمان، وكان متعصبا لإسحق، فى حين كان أخوه عبد الله يتعصب لابن المهدى، فكان كل منهما يرفع من صاحبه ويشيد بذكره، يقول أبو الفرج: «فعلا الزبير بتقديم إسحق له» لجلالته عند الناس وتمكنه منهم وقبولهم منه (٥)، وكأن أنصار إسحق كانوا أكثر نفرا إذ كان الذوق العام يميل إلى المحافظة أكثر مما يميل إلى التجديد، ولم يكن ذلك شيئا خاصّا بالغناء، بل كان عامّا فيه وفى الشعراء، فقد كان الشعراء والمغنون جميعا يستمسكون بالتقاليد الموروثة. وممن كان ينزع منزع إبراهيم بن المهدى ورغباته فى التجديد بالغناء عمرو بن بانه، المنسوب إلى أمه، وكان المتوكل أنيسا به، ونال منه جوائز كثيرة «وكان يذهب مذهب إبراهيم بن المهدى فى الغناء وتجنيسه ويخالف إسحق ويتعصب عليه تعصبا شديدا ويواجهه بذلك وينصر إبراهيم بن المهدى عليه» (٦). ويقول أبو الفرج إنه علّم الغناء عشرة من الغلمان، وطال عمره حتى سنة ٢٧٨ وكان يشاركه فى مذهبه محمد بن الحارث بن بسخنّر،


(١) أغانى ١٠/ ٩٦ وما بعدها.
(٢) أغانى ١٦/ ٣١١.
(٣) أغانى ساسى ٢٠/ ١١٤.
(٤) أغانى (دار الكتب) ١٠/ ٧٠.
(٥) أغانى (ساسى) ٢٠/ ١٤٤.
(٦) أغانى (دار الكتب) ١٥/ ٢٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>