للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان من المتعصبين على إسحق، ويقول أبو الفرج: «أخذ الغناء عن إبراهيم بن المهدى ومن بحره استقى»، وكان يغنّى على المعزفة فنقله ابن المهدى إلى العود وواظب عليه حتى حذقه (١)، وكان الخلفاء يسكبون عليه أموالهم سكبا، وخرّج كثيرات من الجوارى اللائى برعن فى الغناء.

وعلى نحو ما كان المغنون حزبين: حزبا يتبع إسحق الموصلى وحزبا يتبع إبراهيم بن المهدى كذلك كانت المغنيات، وممن كان يأخذ منهن بمذهب إسحق عريب وجواريها من أمثال تحفة الزمارة وبدعة، وترجم أبو الفرج ترجمة ضافية لها (٢) ذكر فى صدرها أنها كانت نهاية فى الجمال والظّرف وحسن الصوت وجودة الضرب وإتقان الصنعة والمعرفة بالنغم والألحان ورواية الأشعار، اشتراها الأمين من مولاها المراكبى وكان عمرها سبعة عشر عاما ونظمها فى جواريه الغلاميات، واشتراها المأمون بعده بخمسين ألف درهم، ثم اشتراها المعتصم بمائة ألف وأعتقها فهى مولاته، وظلت تغنّى طوال حياتها وماتت عن سن عالية سنة ٢٧٧ لعهد المعتمد، وقد أمر على بن يحيى المنجم أن يجمع غناءها الذى صنعته فأخذ منها دفاترها وصحفها التى كانت سجّلت فيها أصواتها، وكتب ذلك كله فكان ألف صوت بارع، واشتهرت جاريتها بدعة (٣) بالغناء وإتقانه على طريقة الموصلى، وعاشت حتى سنة ٣٠٢. وحاول بعض أعيان بغداد شراءها فطلب إلى على بن يحيى المنجم أن يفاوض عريب فى شرائها بمائة ألف دينار، وجعل له عشرين ألفا، ورفضت بدعة فأعتقتها عريب، ويقال إنها خلفت مالا كثيرا وجوهرا وضياعا وعقارات.

أما اللائى كن يتعصبن لإبراهيم بن المهدى فعلى رأسهن شارية (٤) جاريته، وكان قد اشتراها بثمانية آلاف درهم، حتى إذا خرّجها وذاع صيتها عرض عليه المعتصم فيها سبعين ألف دينار، فأبى أن يبيعها له ضنّا بها، واشتراها المعتصم بعد ذلك من تركته بخمسة آلاف وخمسمائة دينار. وكان المعتز يأنس لغنائها، وطالت حياتها حتى لحقت المعتمد، وكان يأبى أن يلحّن له أشعاره سواها وسوى عريب، وأمر لها ذات مرة وقد غنته صوتا بألف ثوب من الثياب الأنيقة. ومن جواريها اللائى


(١) أغانى (ساسى) ٢٠/ ٨٢.
(٢) أغانى ١٨/ ١٧٥ وما بعدها.
(٣) أغانى ١٩/ ١٢٥ وعريب ٣٨ والطبرى. ١٠/ ١٥٠ والهمدانى ص ١٥.
(٤) أغانى (دار الكتب) ١٦/ ٣ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>