للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنبذة فلم يقفوا عند أنواعها المحللة، بل شربوا أنواعها المسكرة. وكان المتوكل يعقد فى قصوره مجالس كثيرة للمنادمة والشراب، وكان يحب الشرب ومن حوله الورود والرياحين (١) وكان المعتز ابنه يزور الأديرة للشراب (٢)، وكان يشرب فى قصوره بين ندمائه والمغنون يغنون بين يديه، كما كان شرب فى البساتين (٣). وفرغ المعتمد-كما مر بنا فى غير هذا الموضع-للهو والشراب، ويقول المسعودى: «كان مشغوفا بالطرب والغالب عليه المعاقرة ومحبة أنواع اللهو والملاهى (٤)، وديوان ابن المعتز ملئ بالخمر ودنانها وكئوسها وغبوقها وصبوحها. وكان القاهر مدمنا شرب الخمر (٥) كما كان مولعا بالغناء والسماع وجعله ذلك يأمر بأن تباع الجوارى المغنيات على أنهن لا يعرفن الغناء حتى يحصل منهن على من يريد بأرخص الأثمان، وبالمثل حرم الخمر على الناس وكأنه يريد أن يعبها وحده (٦)، وكان الراضى عاهد ربه ألا يشرب وظل على ذلك سنتين من خلافته مع إذنه لجلسائه وندمائه بالشرب، ثم وجدوا له رخصة من يمينه فكفّر عنها وعاد إلى الشراب، وآخر الخلفاء المستكفى وكان قد ترك الشراب، فلما ولى الخلافة دعا به توّا وعاد إلى شربه (٧).

وعلى هذا النحو كانت قصور الخلافة فى عصور كثير من الخلفاء كأنها مقاصف للشراب والسماع والغناء، وبالمثل كانت قصور الأمراء والوزراء وكبار أصحاب المناصب فى الدولة وعلية القوم، وتورط فيها بعض القضاة عن طريق النبيذ المحلل، كما تورط كثير من علماء اللغة وغيرهم أمثال ابن دريد، كان يعكف عليها عكوفا شديدا، ويقول أبو حفص بن شاهين: «كنا ندخل عليه فنستحى مما نرى من العيدان المعلّقة والشراب وقد جاوز التسعين» (٨). وأوغل الشعراء فيها إيغالا. ومن يتصفح كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصبهانى يحس أن بعض الناس أدمنوها إدمانا شديدا. وكانوا يعقدون لها المجالس فى المساء والليل والصباح، وآثروا ألا يقل عدد


(١) الديارات ص ١٦٠ وانظر فى صبوح. المنتصر أغانى (ساسى) ١٧/ ١٣٠.
(٢) الديارات ص ١٦٤ وما بعدها.
(٣) الديارات ص ١٦٦ وما بعدها.
(٤) مروج الذهب ٤/ ١٣١.
(٥) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٤٥.
(٦) ابن الأثير (طبعة أوربا) ٨/ ٢٠٤.
(٧) مروج الذهب ٤/ ٢٦٧.
(٨) النجوم الزاهرة ٣/ ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>