للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الندماء عن ثلاثة، وكان يدور عليهم بها السقاة والساقيات من الغلمان والجوارى وكانوا يزينون مجالس الشراب بالورود والرياحين، كما كانوا يزينون رءوسهم أحيانا بأكاليل الزهر.

وكان كرخ بغداد يكتظ بالمقينين وكانوا منبثين أيضا فى سامراء، وتحولوا بدورهم إلى ما يشبه حانات كبيرة، ففيها الخمر، وفيها القيان المغنيات، وفيها الجوارى الظريفات الأديبات، وكان الشعراء يختلفون إلى هذه الدور أو قل إلى هذه الحانات ومثلهم الناس من حولهم فيعبون من كئوسها ويتمتعون بالسماع ومغازلة الجوارى والقيان.

وكانت البساتين حول سامرّاء وبغداد تمتلئ بحانات الخمر والسماع، وكان الشعراء والناس يختلفون إليها، وقد يختلون بأنفسهم إلى زاوية فى بستان ويتخذون منها لأنفسهم حانة، يشربون فيها على أزهار الرياض وأبصارهم تتملّى بجمال الجوارى وآذانهم تتمتع بالسماع، وكثيرا ما يصور الشعراء هذا المتاع المضاعف بجمال الطبيعة وجمال المرأة ونشوة الخمر من مثل قول البحترى (١):

اشرب على زهر الرياض يشوبه ... زهر الخدود وزهرة الصّهباء

من قهوة تنسى الهموم وتبعث ال‍ ... شّوق الذى قد ضلّ فى الأحشاء

وكان من يعملون بالحانات من الأجانب سواء الرجال والنساء، ويقول الجاحظ:

«من تمام آلة الخمار أن يكون ذميّا وأن يكون اسمه آذين أو مازيار أو أزدانقاذار أو ميشا أو شلوما ويكون أرقط الثياب مختوم العنق» (٢) وتختلط فى النص أسماء فارسية ونصرانية ويهودية. أما الجوارى فكن من القيان الأجنبيات غالبا، وكانت تعجّ بهم حانات البساتين وحانات الكرخ ودور المقينين، والشباب والشعراء يختلفون إليهن، وكن من أجناس مختلفة، وقلما كن يشعرن بشئ من الكرامة أو يستشعرن شيئا من التحفظ والاحتشام، بل لقد كن يتفنن فى الحيل التى يجذبن بها الرجال، وكن يستكثرن من الخلان بطرق غير مستقيمة، فدفعن إلى


(١) الديوان ١/ ٦.
(٢) البيان والتبيين (طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر) ١/ ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>