للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطأ أن نحمل القائلين بالتسوية على الشعوبيين أو على القول بالشعوبية، إنما الشعوبيون هم الذين يعلون الأعاجم على العرب وينادون بعدم التسوية حانقين حنقا شديدا على كل ما هو عربى، بل إن الضغينة لتأكل قلوبهم أكلا فإذا هم يودون لو ثأروا لآبائهم من العرب حين أزالوا ملكهم ونقضوا عروشهم فردوهم إلى ديارهم على أعقابهم مدحورين. وممن كان يذهب هذا المذهب فى الحماقة والجهالة والعداوة للعرب المتوكلى الشاعر المنسوب إلى المتوكل لأنه كان من ندمائه، إذ يقول فى شعوبية حاقدة ذميمة (١):

أنا ابن الأكارم من نسل جمّ ... وحائز إرث ملوك العجم

وطالب أوتارهم جهرة ... فمن نام عن حقّهم لم أنم

فقل لبنى هاشم أجمعين ... هلموا إلى الخلع قبل النّدم

وعودوا إلى أرضكم بالحجاز ... لأكل الضّباب ورعى الغنم

فإنى سأعلو سرير الملوك ... بحدّ الحسام وحرف القلم

وواضح أن قلب المتوكلى يضطرم حقدا وضغينة على العرب، حتى ليظن نفسه أنه من أبناء جم أو جمشيد الملك الفارسىّ القديم وأنه قد وكل إليه أخذ الثأر أو الأثآر من هؤلاء الذين قوضوا ملك آبائه، وإنه ليتجه إلى حكام الأمة من بنى هاشم مهددا لهم متوعدا ومنذرا أن يبادروا إلى خلع أنفسهم والعودة إلى موطنهم الأصلى فى الحجاز، ليعيشوا كما كان يعيش آباؤهم معيشة غليظة خشنة يأكلون فيها اليرابيع والضباب، ويرعون الأغنام، على نحو ما يرعى ويأكل نازلة القفر والفلوات، وكأنه نسى أن بنى هاشم من قريش سكان مكة فى القديم وأنهم لم يكونوا رعاة ولا أهل جفاء وخيام، ولكنها الشعوبية العمياء الرّعناء.

ولعل أسوأ ما أدت إليه هذه الشعوبية الحمقاء الزنادقة والزنادقة الذين كانوا يبغضون العرب وكل ما اتصل بهم من إسلام وغير إسلام. ويوضح ذلك الجاحظ قائلا: «إن عامة من ارتاب بالإسلام إنما كان أول ذلك رأى الشعوبية والتمادى فيه وطول الجدال المؤدى إلى الضلال، فإذا أبغض شيئا أبغض أهله، وإن أبغض تلك اللغة أبغض تلك الجزيرة، وإذا أبغض تلك الجزيرة أحبّ من أبغض تلك


(١) ضحى الإسلام (الطبعة السابعة) ١/ ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>