للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنسب المتهم لا حجاب عليه ولا مدافع عنه، ويقول إنهم كانوا يزرون على الحكم والأمثال العربية ويتبجّحون بما يروون عن الفرس واليونان من آداب وعلوم. ولم يكتف بعنفه عليهم فى هذا المبحث الطريف، فقد عنف بهم فى مقدمة كتابه «أدب الكاتب» مصورا قصورهم عن النهوض بوظيفتهم الأدبية فى الدواوين لنقص ثقافتهم العربية، وحاول محاولة طريفة فى كتابه «عيون الأخبار» أن يجمع بين تلك الثقافة والثقافات الأجنبية ليبين أنها كلها ضرورية ولا تعارض بينها بوجه من الوجوه مما قضى على الشعوبية قضاء مبرما على نحو ما سنصوّر ذلك فى الفصول التالية.

ومن أهم الكتّاب الذين كانوا يستشعرون هذه النزعة الحمقاء سعيد بن حميد بن البختكان، وكان من أبناء دهاقين الفرس وزعم أنه من سلالة ملوكهم، وله فى الشعوبية والتعصب لقومه كتب مختلفة، منها كتاب فضل العجم على العرب وافتخارها (١).

ويبدو أن الجاحظ وابن قتيبة جميعا استطاعا أن يقضيا قضاء مبرما على الشعوبية فقلما نسمع بعدهما بشعر شعوبى أو بمن ألف فى الشعوبية وانتصر لها. وقد أشرنا فى كتاب العصر العباسى الأول إلى أن بعض الباحثين أدخل فى هؤلاء الشعوبيين من يقولون بالتسوية بين العرب وغيرهم، ويجب أن ينحوا عن هذه الجماعة الضالة، لأنهم كانوا فى الواقع ينادون بنظرية الإسلام وما دعا إليه من المساواة بين جميع الأفراد فى الأمة عربا وغير عرب، مساواة تشمل جميع الحقوق والواجبات بحيث لا يفضل مسلم صاحبه إلا بالتقوى والعمل الصالح كما جاء فى الذكر الحكيم:

{(يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)}. وأيضا كما جاء فى خطبة حجة الوداع:

«أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربى على عجمى فضل إلا بالتقوى»، وبذلك يتضح أن التسوية بين الشعوب هى نظرية الإسلام، فلا عربى يفضل أعجميّا ولا أعجمى يفضل عربيّا من حيث النسب والقومية، إذ ليست العروبة ولا العجمة فى الإسلام ميزة تعلى من شأن صاحبها، فالناس جميعا سواسية. وإذن فمن


(١) الفهرست لابن النديم ص ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>