للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يعتنق فى أول الأمر الاعتزال وصنّف عددا من الكتب فى مناصرته ونشره بين الناس، ثم تحول عنه إلى التشيع على مذهب الرافضة مثل أستاذه أبى عيسى وصار أعنف خصوم المعتزلة فى القرن الثالث الهجرى، بل لقد تمادى فى ذلك حتى كفر بالدين وجميع الديانات وألف فى ذلك كتبا مختلفة يسميها صاحب الفهرست باسم الكفريات. ولما ارتفع اسمه إلى مسامع الحكام خشى مغبة ذلك وأن يرمى به فى غياهب السجون فاختبأ فى منزل أبى عيسى بن لاوى اليهودى الأهوازى، وله صنّف بعض كفرياته، وما زال مختبئا بمنزله حتى توفى على ما يقول المسعودى وابن خلكان حوالى سنة ٢٥٠ للهجرة وقال ابن الجوزى وابن تغرى بردى إنه توفى سنة ٢٩٨ ويرجح التاريخ الثانى ما يذكره ابن الأنبارى فى نزهة الألباء بترجمة المبرد عن كتابه المقتضب وأنه لم يكتب له الرواج، لأن ابن الراوندى الملحد رواه.

وسقطت كتب ابن الراوندى فى العصور التالية من أيدى الزمن، فلم يصلنا منها شئ، ولكن وصلتنا شذور ومقتطفات فى كتب بعض من ردوا عليه أو من ترجموا له، من ذلك كتاب المجالس المؤيدية لهبة الله الشيرازى داعى دعاة الفاطميين لعصر المستنصر إذ جلب اقتباسات (١) من كتابه «الزمردة فى دفع النبوات» وفيها نراه يردّ إنكار النبوات إلى البراهمة الهنود تضليلا حتى يبعد التهمة عن نفسه، وكأنه إنما يتكلم بلسانهم، وهو يستهلّ كلامه بأن الله أنعم على الإنسان بالعقل ليميز الحسن من القبيح والخير من الشر، وإذن فلا داعى للرسل، لأنهم إما أن يؤكدوا هذا التمييز العقلى الذى يغنى عنهم فيه العقل، وإما أن يبطلوه أو ينقضوه وحينئذ تكون نبوتهم عبثا ولا حاجة للإنسان بها، ويقول إن الرسول عليه السلام أتى بما ينافر العقول من مثل الصلاة وشعائر الحج ومناسكه، وينفى المعجزات النبوية، ويزعم أن فصاحة القرآن ليست معجزة وخاصة بالقياس إلى العجم الذين لا يدركون الفصاحة العربية. ويردد نفى المعجزات النبوية وأن الملائكة نصروا رسول الله فى غزوة بدر وأنه أسرى به إلى بيت المقدس، ويمضى فى لغو من هذا النوع، ونرى ابن الجوزى ينقل فى كتابه المنتظم شذرات (٢) أخرى من مصنفه الزمردة،


(١) انظر فى هذه الاقتباسات وتحليلها، كتاب من تاريخ الإلحاد فى الإسلام ٧٥ - ١٨٨.
(٢) راجعها فى كتاب من تاريخ الإلحاد فى الإسلام ص ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>