للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبدو أن ابن تغرى بردى نقلها عنه، من ذلك أنه كان يقول: «إنا نجد فى كلام أكثم بن صيفى الحكيم الجاهلى أحسن من {(إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ)} و {(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)} وإن الأنبياء وقعوا (اهتدوا إلى) بطلسمات تجذب كما أن المغناطيس يجذب الحديد أما قوله صلى الله عليه وسلم لعمار: تقتلك الفئة الباغية (كان مع على بن أبى طالب فى صفين وقتله جيش معاوية): فإن المنجم-فى رأيه-يقول مثل هذا إذا عرف المولد وأخذ الطالع. ويقول ابن الجوزى: «كان ابن الراوندى وأبو عيسى محمد بن هرون الوراق الملحد يتراميان بكتاب «الزمرد» ويدعى كل واحد منهما على الآخر أنه تصنيفه، وكانا يتوافقان على الطعن فى القرآن (١)».

أما كتابه الكفرى الثانى الذى خصّ به الرد على القرآن فهو كتاب «الدامغ»، ويقال إنه صنف هذا الكتاب إرضاء لليهودى الذى كان يؤويه، وهو فيه ينكر إعجاز القرآن كما مر بنا فى حديث داعى الدعاة الفاطمى، ويزعم أن فى كلام الجاهليين ما هو أفصح منه وأبلغ، ويقول ابن الجوزى إنه بدأ فيه بالطعن فى القرآن وبلاغته حتى لقد زعم-بهتانا وزورا كبيرا-أن به أخطاء لغوية.

ولعل فى ذلك ما يصور-من بعض الوجوه-الهجمات العنيفة التى كان يصوّبها الملحدون فى القرن الثالث الهجرى إلى الإسلام والقرآن الكريم بل إلى الديانات عامة. ومن هنا نفهم السر فى أن الخليفة المعتمد حلّف الورّاقين لسنة ٢٧٩ ألاّ يبيعوا كتب الكلام والجدل والفلسفة (٢)، فقد كان من المتفلسفة والمتكلمين من يبطنون الإلحاد (٣) والزندقة ويدخلونهما على ما يصنفون من الكتب. وكان أهمّ من نقض على ابن الرّاوندى كفرياته معاصره أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد المعروف بالخياط. وقد نشر له المستشرق نيبرج كتابه «الانتصار والرد على ابن الراوندى الملحد ما قصد به من الكذب على المسلمين والطعن عليهم»، وكذلك عنى بالرد عليه معاصره أبو على (٤) محمد بن عبد الوهاب


(١) من كتاب تاريخ الإلحاد فى الإسلام ص ١١٣.
(٢) طبرى ١٠/ ٢٨ وابن تغرى بردى ٣/ ٨٠.
(٣) الفهرست ص ٤٨٧.
(٤) يقول ابن الجوزى إنه نقض خمسة كتب له فى مقدمتها الزمردة والدامع. انظر من تاريخ الإلحاد فى الإسلام ص ١٦٢ ويورد الكتاب هنا من نقضوا كتابه فى تفصيل وإسباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>