للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يذهب إلى أن التصوف يشتمل على عنصرين أساسيين، عنصر مسيحى وعنصر بوذى هندى، ويتضح العنصر الثانى-عنده-فى فكرة وحدة الوجود التى تمثلها، كما يقول، الحلاج فى أواخر القرن الثالث (١) الهجرى. وذهب نيكلسون فيما بعد إلى أن الحلاج لم يتمثل هذه الفكرة لا هو ولا غيره من متصوفة القرن الثالث.

وممن شدد على التأثير الأجنبى جولد تسيهر، إذ ربط بين التصوف وتعاليم الأفلاطونية الحديثة وما يندرج فيها من مذهب الفيض ووحدة الوجود، كما ربط بينه وبين البوذية (٢) الهندية. وخفف من حدة القول بهذا التأثير الأجنبى ماسينيون فى بحوثه عن الحلاج، إذ ذهب إلى أن التصوف نشأ من صميم الإسلام نفسه، وإن تأثر فى الطريق بمؤثرات الثقافة الهيلينية التى كانت منتشرة فى الشرق منذ ميلاد المسيح (٣).

وبالمثل خفّف من حدة القول بالتأثير الأجنبى نيكلسون، وإن لاحظه مع مر الزمن، كما هو الشأن عند ذى النون وتأثره فى رأيه بالأفلاطونية الحديثة إذ كان على علم بالحكمة اليونانية الشائعة فى عصره، وأيضا كما هو الشأن عند أبى يزيد البسطامى وتأثره فى رأيه بالفلسفة الهندية الفارسية. على أنه مضى فى بحوثه يعلى من شأن التأثير الإسلامى فى نشأة التصوف، ويقلل من أهمية التأثيرات الأجنبية، وكان أهم معول هدم به القول بهذه التأثيرات ما كان قد تبادر لكثير من الباحثين من إيمان أبى يزيد البسطامى والحلاج بنظرية وحدة الوجود، فقد نفاها عنهما، ولم يثبتها إلا منذ ابن عربى المتوفى سنة ٦٣٨. وبذلك انتهى إلى القول بأن جميع الأفكار التى وصفت بأنها دخيلة على المسلمين ووليدة ثقافة أجنبية غير إسلامية إنما هى وليده الزهد والتصوف اللذين نشآ فى الإسلام وكانا إسلاميين فى الصميم (٤)

وإذن فالتصوف إسلامى فى جوهره وفى نشأته وتطوره، وهو الرأى العلمى الصحيح، ولكى نتصور التصوف فى دقة فى أثناء هذا العصر، يحسن أن نستعرض أئمته الذين غرسوا مبادئه وأحواله ومقاماته ومصطلحاته فى نفوس العصور التالية،


(١) انظر نيكلسون فى مبحثه عن الحلاج ومقدمة عليق.
(٢) العقيدة والشريعة فى الإسلام لجولد تسير (طبعة دار الكاتب المصرى) ص ١٣٦ وما بعدها.
(٣) راجع مقدمة عليق لكتاب نيكلسون السالف.
(٤) انظر مقدمة عليق وكتاب فى التصوف الإسلامى فى مواضع مختلفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>