للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأولهم الحارث (١) بن أسد المحاسبى المتوفى سنة ٢٣٤ وقد نشرت له رسائل مختلفة، وهى تدل بوضوح على أنه جدّ فى ربط التصوف بالشريعة على طريقة أهل السنة وكان يعتنق مذهب الشافعى ويرى أن الرافضة خرجوا على حدود الإسلام وملته، ولذلك يروى أنه لما مات أبوه وكان هو فى عوز وإملاق فى حين خلف ابوه ثروة طائلة رفض أن يأخذ منها درهما، لأن أباه كان رافضيّا، وقال: أهل ملتين لا يتوارثان. ومن أهم ما يميزه بين خلفائه ومعاصريه من المتصوفة أنه دعا فى قوة إلى محاسبة النفس ومراقبتها ومجاهدتها وتزكيتها باتباع الكتاب والسنة، وهو أول من فرق بين التوكل على الله وبين الرضا بقضاء الله وأحكامه، وجعله-وتابعه فى ذلك متصوفة العراق-من الأحوال التى لا تكتسب، على حين جعله متصوفة خراسان من المقامات (٢)، ورفض أن يفضى التوكل إلى عدم التكسب، فلابد من السعى فى الأرض سعيا ينال به الإنسان الفضل والثواب.

وكان يعاصره ذو النون (٣) المصرى المتوفى سنة ٢٤٥ ويرى نيكلسون أنه الواضع الحقيقى لأسس التصوف، إذ هو-كما يقول ابن تغرى بردى-أول من تكلم فى مصر فى الأحوال والمقامات، ويعمم ذلك نيكلسون، فيجعله لا أستاذ المصريين وحدهم فى التصوف بل أستاذ المشارقة أيضا، وينقل عن تذكرة الأولياء للجامى حديثه عن العارف والمعرفة، وفيه قسم المعرفة ثلاثة أقسام: قسما مشتركا بين عامة المسلمين، وقسما خاصّا بالفلاسفة والعلماء، وقسما خاصّا بالأولياء الذين يرون الله بقلوبهم. وبذلك فصل المعرفة الصوفية عن المعرفة العلمية والفلسفية، فالأولى قلبية، تنزع نحو القلب، وتعتمد على التجربة الحدسية، والثانية عقلية


(١) نشأ فى البصرة ثم انتقل فى شبابه إلى بغداد، انظر فى ترجمته تاريخ بغداد ٨/ ٢١١ والأنساب للسمعانى ٥٠٩ وابن خلكان وطبقات الشافعية السبكى ٢/ ٢٧٥ ومرآة الجنان ٢/ ١٤٢ والنجوم الزاهرة ٢/ ٣١٦ والتهذيب لابن حجر ٢/ ١٣٤ وكتاب طبقات الصوفية للسلمى (طبع باريس) ص ٤٦.
(٢) انظر باب الرضا فى الرسالة القشيرية.
(٣) راجع فى ترجمة ذى النون وآرائه الفهرست ص ٥١٧ وطبقات الصوفية السلمى ص ٢٣، وتاريخ بغداد ٨/ ٣٩٣ وتاريخ دمشق لابن عساكر ٥/ ٢٧١ ومرآة الجنان لليافعى ٢/ ١٤٩ والنجوم الزاهرة ٢/ ٣٢٠ والطبقات الكبرى الشعرانى ١/ ٥٩ وأخبار الحكماء للقفطى ١٨٥ شذرات الذهب ٢/ ١٠٧ ورسالة القشيرى فى ص ٩ وفى مواضع متفرقة ونيكلسون ص ٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>