للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن سلام أيضا فى ابن إسحق: «فلو كان الشعر مثل ما وضع لابن إسحق ومثل ما رواه الصحفيون ما كانت إليه حاجة ولا فيه دليل على علم» (١) وتعقب ابن هشام فى سيرته ابن إسحق وردّ كثيرا مما روى، أو صحح نسبته.

وواضح أن هذه المنتحلات من الشعر المنسوب إلى عرب الجاهلية الأولى ليس لها أدنى قيمة، فقد ردها الرواة المحققون، ومع ذلك يتعلق بها بعض الباحثين المحدثين ليشككوا فى الشعر الجاهلى عامة، مع أن القدماء رفضوها وردوها، كما رفضوا وردوا رواية المتهمين من الرواة أمثال حماد وخلف. وليس معنى ذلك أننا نريد أن نوسع الأبواب فنقبل كثرة ما يروى عن الجاهليين، بل نحن نضيقها تضييقا شديدا، فلا نقبل إلا ما أورده الثقاة مثل أبى عمرو بن العلاء والمفضل الضبى والأصمعى، فجملة ما رووه وثيق.

ولا نبالغ إذا قلنا إن ما رواه هؤلاء الثقات لا يزال مادة غفلا لم يدرس ولم يفحص، وقد خلف من بعدهم خلف أتموا تدوين الشعر الجاهلى وأشهرهم فى الكوفة أبو عمرو الشيبانى وابن الأعرابى وقد اشتهر الأول بأنه جمع أشعار نيف وثمانين قبيلة، وكان كلما عمل شعر قبيلة منها وأخرجه للناس كتب مصحفا وجعله فى مسجد الكوفة، وطبيعى أن يخرج دواوين القبائل راو كوفى لأن بيوتات العرب وأشرافها كانوا فى الكوفة ولم يكونوا فى البصرة، ومن غير شكّ كانوا من أهم الأسباب التى أعانت على حفظ الشعر الجاهلى وروايته إلى أن دوّن فى القرن الثانى. ويظهر أن الكتب الخاصة بالقبائل لم تكن تكتفى برواية الأشعار بل كانت تضم إليها غير قليل من أخبارهم وأيامهم، وربما كان هذا هو السبب فى أننا نرى مؤرخيهم ينثرون فى تاريخهم أشعارا كثيرة كأنهم يرون أنها سنده وعماده، على نحو ما تصور ذلك كتب المدائنى والواقدى وابن الكلبى. وكان رواة الشعر يمزجون بروايتهم كثيرا من الأخبار التاريخية على نحو ما نرى فى شرح النقائض لأبى عبيدة. وقد بقى من دواوين القبائل ديوان هذيل برواية السكرى المتوفى سنة ٢٧٥ وفيه تختلط الأشعار بالأخبار، ومن خير ما يصور ذلك فيه ديوان أبى ذؤيب.

ويدل كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصبهانى أنهم دونوا من هذه الأشعار


(١) ابن سلام ص ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>