للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه وعن أبى عمرو الشيبانى الذى يقال إنه دخل البادية ومعه دستيجتان من حبر، فما خرج حتى أفناهما بكتب سماعه عن العرب (١)

وكان بعض الأعراب يفد على الحواضر وقد يقيم فيها ليسدّ هذه الحاجة عند الرواة.

والمهم أنهم لم يكتفوا بالاعتماد على ذاكرتهم صنيع الرواة من قبلهم، بل كانوا يدوّنون ما يسمعونه ويحتفظون به ويقرءون منه فى مجالسهم وينقله عنهم طلابهم.

وأخذت موجة هذا التدوين تتسع اتساعا شديدا، ويستطيع من يرجع إلى الفهرست وكتب التراجم أن يطلع على هذا النشاط التأليفى الذى لا يكاد يبلغه الحصر والعد، فقد ترك هشام بن محمد الكلبى نحو مائة وأربعين كتابا، وكانت كتب المدائنى لا تقل عنها عددا، بينما خلف الهيثم بن عدى خمسين مصنفا. وأكثر كتبهم يعد مفقودا ومن بينها ما يشير إلى عنايته بالشعر ككتاب أخبار خزاعة للمدائنى وأخبار طيئ للهيثم، وقد نشر الأصنام لابن الكلبى وهو يمتلئ بالشعر الجاهلى مما يدل على أنه كان يملأ كتبه به.

على أنه يلاحظ إزاء المؤرخين أن كثيرا منهم لم يكن دقيقا فيما يجمع من شعر، ولعل ابن إسحق صاحب السيرة النبوية أشهرهم فى هذا الباب، وقد تصدّى له ابن سلام فى طبقاته، فقال: «وكان ممن أفسد الشعر هجّنه وحمل كل غثاء منه محمد بن إسحق بن يسار، مولى آل مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، وكان من علماء الناس بالسّير. . فقبل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها ويقول: لا علم لى بالشعر أوتى به فأحمله. ولم يكن ذلك له عذرا. فكتب السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرا قط وأشعار النساء فضلا عن الرجال، ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود فكتب لهم أشعارا كثيرة، وليس بشعر إنما هو كلام مؤلف معقود بقواف، أفلا يرجع إلى نفسه، فيقول: من حمل هذا الشعر ومن أدّاه منذ آلاف السنين، والله تبارك وتعالى يقول: {(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا)} أى لا بقية لهم، وقال أيضا: {(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى وَثَمُودَ فَما أَبْقى)} وقال فى عاد:

{(فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ)} وقال: {(وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً)} وقال: {(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ)} (٢)».


(١) نزهة الألباء للأنبارى ص ٦٣
(٢) ابن سلام ص ٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>