للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينار، وأهدى كتابه «البيان والتبيين» إلى أحمد بن أبى دؤاد فأعطاه أيضا خمسة آلاف دينار، وأهدى كتابه: «الزرع والنخيل» إلى إبراهيم بن العباس الصولى فأعطاه مثلهما خمسة آلاف دينار. وكلهم كانوا من كبار رجال الدولة. وصنف للفتح ابن خاقان وزير المتوكل رسالته فى فضائل الترك فأجرى عليه راتبا شهريّا من خزانة الدولة (١). وأمثال الجاحظ كثيرون فى كن فن وفى كل علم كانوا ينالون هذه العطايا الجزيلة ويأخذون الرواتب السنية على جهودهم فى المحاضرات للطلاب وفى تأليف الكتب وتصنيفها، مما أشعل فى نفوس الشباب والناس محبة العلم والعكوف عليه، حتى يعدّوا من أهله، وفى شرفه وفضله يقول الجاحظ (٢):

يطيب العيش إذ تلقى لبيا ... غذاه العلم والرّأى المصيب

فيكشف عنك حيرة كل جهل ... وفضل العلم يعرفه الأريب

سقام الحرص ليس له دواء ... وداء الجهل ليس له طبيب

وكانت الطريقة الشائعة فى المحاضرات، وخاصة محاضرات المتكلمين والمحدّثين واللغويين هى الإملاء، ويعرض السيوطى لإملاء اللغويين حينئذ، فيقول: «أملى ثعلب مجالس عديدة فى مجلد ضخم، وأملى ابن دريد مجالس كثيرة، وأملى أبو محمد القاسم بن الأنبارى وولده أبو بكر ما لا يحصى، وطريقهم فى الإملاء كطريقة المحدّثين سواء، يكتب المستملى أول القائمة: «مجلس أملاه شيخنا فلان بجامع كذا فى يوم كذا، ويورد التاريخ، ثم يورد المملى بأسناده كلاما عن العرب والفصحاء فيه غريب يحتاج إلى التفسير ثم يفسّره، ويورد من أشعار العرب وغيرها بأسانيده ومن الفوائد اللغوية بإسناد وغير إسناد ما يختاره. . .

وآخر من علمته أملى على طريقة اللغويين أبو القاسم الزجاجى له أمال كثيرة فى مجلد ضخم، وكانت وفاته سنة ٣٣٩ (٣)». وبلغ من عناية العلماء المملين حينئذ أن كانوا-وخاصة أهل الحديث-يراجعون ما كتبه تلاميذهم، ويكتبون لمن يأنسون منهم القدرة على روايته عنهم شهادة بأنهم أجازوا لهم تلك الرواية، ويسمّى ذلك


(١) معجم الأدباء ١٦/ ٧٩، ٩٩ وأمالى المرتضى (طبعة الحلبى) ١/ ١٩٥.
(٢) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر (طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر) ١/ ٥٨.
(٣) المزهر (طبعة الحلبى) ٢/ ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>