للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند المحدّثين باسم الإجازة، وهى شهادة قيمة على صحة الرواية (١). وقد يسجل التلميذ على نسخته أنها من سماع هذا الشيخ أو ذاك، وقد يسجل أنه قرأها عليه، وقد يسجل له ذلك الشيخ. وكان الشيخ أحيانا يملى عملا له فى بلد، ثم ينتقل إلى بلدة أخرى ويمليه مضيفا إليه أو مهذبا، وكانوا ينصّون على ذلك، مثل معجم الجمهرة لابن دريد، إذ نصوا على أنه مختلف النسخ كثير الزيادة والنقصان، لأنه أملاه مرارا بفارس وببغداد، فلما تعدد الإملاء زاد المعجم ونقص، ويقول ابن النديم أصح النسخ نسخة أبى الفتح عبد الله بن أحمد النحوى، لأنه كتبها من عدة نسخ وقرأها عليه (٢). وتلك هى أعلى مرتبة فى تحقيقنا العلمى الحديث للكتب، إذ نراجع مخطوطات الكتاب ونعرضه عليها، ونستخلص منه أصلا صحيحا غاية الصحة، وقد اهتدوا مبكرين إلى ذلك يرشدهم نظر علمى سديد. وكان كثير من العلماء حين يملى كتابا ثم يزيد فيه ويضيف يهمل نسخته أو نسخه الأولى، ولا يقرّ سوى النسخة الأخيرة، على نحو ما يلقانا عند أبى عمرو المطرز، فإنه أملى فى سنة ٣٢٦ كتابه الياقوت فى اللغة، ثم رأى الزيادة فيه فأملاه على تلاميذه ثانية سنة ٣٢٩، ثم رأى أن يضيف إليه بعض إضافات، فجمع نسخه وعارضها بعضها على بعض سنة ٣٣٢ وجعل هذه العرضة الصورة النهائية للكتاب وأهدر ما سواها من الصور السابقة (٣).

وكان من أهم ما عمل على إشعال الجذوة العلمية وإمدادها بوقود جزل لا ينفد مناظرات العلماء فى المساجد وقصور الخلفاء والوزراء فى الكلام وفى الفقه وفى اللغة والنحو وغير ذلك من العلوم التى كان يشتد فيها الخلاف والجدل. وكان الشباب يختلف فى المساجد إلى هذه المناظرات، ليتعلم قرع الحجة بالحجة وغلبة الخصم بالحق وبالباطل أحيانا، وتفيض كتب المتكلمين بأخبار هذه المناظرات وكذلك كتب الفقهاء واللغويين والنحاة وكثيرا ما أثيرت فى أثناء هذه المحاورات بعض القضايا والمسائل كقضية العشق فى مجلس المنتصر (٤) وأنواع اللهو والملاهى فى مجلس المعتمد (٥).


(١) انظر فى أقدم هذه الإجازات كتابنا البحث الأدبى ص ١٥٧.
(٢)? ? ? .
(٣) الفهرست ص ١١٩
(٤) مروج الذهب ٤/ ٥٥
(٥) مروج الذهب ٤/ ١٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>