للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان استخدام الورق فى الكتابة وتصنيف الكتب استخداما عاما منذ عصر الرشيد عاملا مهمّا فى ازدهار الحركة العلمية حينئذ، فقد كانوا يكتبون قبل عصره غالبا فى الجلود والقراطيس المصنوعة بمصر من ورق البردى وكانوا يكتبون فى ورق الكاغد المستورد من الصبن وكان مرتفع الثمن جدّا، فنقلوا صناعته إلى بغداد فى عصر الرشيد، إذ أنشأ الفضل بن يحيى البرمكى وزيره مصنعا للورق، فرخص ثمنه، وانتشرت الكتابة فيه لخفته، وسرعان ما كثرت الكتب والمصنفات، كما كثر الورّاقون الذين يعيشون من نسخها، وأنشأ كثيرون منهم دكاكين للتجارة فيها، واختلف إليها الشباب والعلماء لا لشراء الكتب والمؤلفات فحسب، بل ليقرءوا فيها وينهلوا من مصنفاتها، وكانوا يكترونها لذلك ويبيتون فيها يقرءون على المصابيح ويقيّدون أو ينسخون ما يشاءون من الأفكار والصحف والرسائل. وعمل ذلك على نهضة الحركة العلمية نهضة واسعة، إذ أصبحت الكتب والمصنفات تحت أعين الطلاب والشباب وبأيديهم، يتزودون منها كما يريدون أزوادا كانت أيسر وأسهل من التلقى عن الشيوخ والعلماء فى المساجد، إذ كانت تجمع لهم مسائل العلم الذى يريدونه وأصوله وفروعه، ويصور ذلك الجاحظ مقارنا بين من يطلب الفقه عن طريق الاختلاف إلى حلقات العلماء ومن يطلبه عن طريق الكتب ودكاكين الوراقين، يقول: «وقد تجد الرجل يطلب الآثار (الحديث) وتأويل القرآن ويجالس الفقهاء خمسين عامّا، وهو لا يعدّ فقيها ولا يجعل قاضيا.

فما هو إلا أن ينظر فى كتب أبى حنيفة وأشباه أبى حنيفة ويحفظ كتاب الشروط فى مقدار سنة أو سنتين حتى تمر ببابه فتظن أنه من بعض العمال، وبالحرى ألا يمر عليه من الأيام إلا اليسير حتى يصير حاكما (قاضيا) على مصر من الأمصار أو بلد من البلدان» (١). ولرواج هذه التجارة حينئذ اتخذ كثير من العلماء المحاضرين بالمساجد ورّاقين يقيّدون إملاءاتهم ويذيعونها فى الناس، ويذكر ابن النديم ورّاقى المبرد إسماعيل ابن أحمد الزجاجى وإبراهيم بن محمد الساسى (٢)، ويذكر ياقوت من وراقى الجاحظ زكريا (٣) بن يحيى، ومن حين إلى آخر تلقانا أسماء هؤلاء الوراقين فى تراجم العلماء وأخبارهم.


(١) الحيوان للجاحظ (طبعة الحلبى) ١/ ٨٧.
(٢) الفهرست ص ٩٥.
(٣) معجم الأدباء ١٦/ ١٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>