للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبجانب الوراقين ودكاكينهم التى كانت تحلّ حينئذ محل دور النشر والطباعة كانت هناك مكتبات يختلف إليها الناس والشباب فى كل مكان، ويشيد أبو معشر البلخى المتوفى سنة ٢٧٢ بعناية ملوك الفرس بالمكتبات وما كان بها من كتب مودعة أصناف علوم الأوائل (١)، وقد ذكرنا فى كتاب العصر العباسى الأول خزانة الحكمة التى شادها ببغداد هرون الرشيد، وأقام عليها يوحنا بن ماسويه لترجمة الكتب الطبية القديمة، وكيف تحوّل بها المأمون إلى ما يشبه معهدا علميّا كبيرا إذ ألحق بها مرصدا ضخما، ووظّف بها كثيرين للترجمة. وقد تأسست مكتبات كثيرة فى العصر، منها ما كان عامّا، ومنها ما كان خاصّا، أما العام فعلى رأسه مكتبات المساجد، إذ كان كثير من العلماء يقفون كتبهم عليها ليفيد منها الطلاب، وقلّدهم فى ذلك السّراة. وعنى بعض المثقفين والعلماء ببناء مكتبات عامة يتزود منها الناس أزوادا علمية مختلفة، ومن أشهرها حينئذ مكتبة على بن يحيى المنجم نديم الخلفاء من زمن المتوكل إلى زمن المعتمد وكان أديبا مثقفا ثقافة واسعة كما كان شاعرا، وكانت له ضيعة نفيسة بنى فيها قصرا جليلا جعله خزانة كتب عظيمة وسماه خزانة الحكمة متشاكلة لخزانة الرشيد والمأمون، وكان الناس يؤمونها من كل بلد، فيقيمون فيها ويعكفون على المصنفات العلمية دارسين، والكتب مبذولة لهم، والنفقة مشتملة عليهم من مال على بن يحيى، فقدم عليها أبو معشر من خراسان يريد الحج، وهو إذ ذاك لا يحسن شيئا ذا بال من النجوم، فلما رآها هاله أمرها، فأقام بها وأضرب عن الحج، وتعلم فيها علم النجوم وتعمق فيه حتى ألحد كما يقول ياقوت، وحتى كان ذلك آخر عهده بالحج وبالدين والإسلام أيضا (٢)، ويذكر ياقوت أن جعفر بن محمد بن حمدان الموصلى الشافعى-من أدباء العصر وعلمائه- أسس مكتبة ملأها بكتب من جميع العلوم والفنون، وقفها على كل طالب للعلم، وكان لا يمنع أحدا من دخولها، فهى مفتوحة للجميع، وإذا ألمّ بها معسر أو بائس فقير صرف له ورق للكتابة فيه وفضة أو دراهم لمعاشه. وكانت تفتح فى كل يوم، وكان ابن حمدان يجلس فى بعض غرفها، ويحاضر قاصديها ممليا عليهم من أشعاره وأشعار غيره وحكايات مستطرفة وشذورا من الفقه وما يتعلق به (٣). ولا يكاد يكون


(١) الفهرست ص ٣٤٨
(٢) معجم الأدباء ١٥/ ١٥٧
(٣) معجم الأدباء ٧/ ١٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>