للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك عالم أو أريب نابه أو سرىّ إلا وله مكتبة خاصة تموج بالكتب، وكانوا يوظفون لها بعض الوراقين كما كانوا يجلدونها (١) ويتفننون فى العناية بكتابتها وتجليدها، وكان المانوية شديدى الاهتمام بزخرفة كتبهم (٢) يريدون أن يجعلوها تحفا فنية استمالة للقراء. ويتوقف الجاحظ فى كتابه «الحيوان» ليعجب من مكتبة إسحق بن سليمان العباسى وما كانت تزخر به من الكتب والأسفاط والرقوق والقماطر والدفاتر والمساطر والمحابر (٣)، وكانت لابن حنبل مكتبة قدّرت كتبها باثنى عشر حملا وعدلا (٤)، أما الفتح بن خاقان وزير المتوكل المتوفى سنة ٢٤٨ فكانت له خزانة كتب جمعها له على بن يحيى المنجم لم ير أعظم منها كثرة وحسنا، وكان يحضر مجلسه فصحاء الأعراب وعلماء البصرة والكوفة (٥)، وكانت لثعلب مكتبة حافلة، قوّم خيران الورّاق ما يساوى عشرة دنانير منها بثلاثة، ومع ذلك بلغ ثمنها ثلثمائة دينار (٦)، وكذلك كانت لأبى بكر محمد بن القاسم الأنبارى مكتبة كبيرة، وسأله بعض أصحابه كم يحفظ منها؟ قال: ثلاثة عشر صندوقا (٧). ونسوق خبرا يدل على عظم المكتبات الخاصة عند بعض الأفراد، فقد روى الرواة أن أبا عمر غلام ثعلب كان يؤدّب ولد القاضى أبى عمر محمد بن يوسف فأملى عليه ثلاثين مسألة بشواهدها من كلام العرب واستشهد فى تضاعيفها ببيتين غريبين جدّا، فعرضهما القاضى أبو عمر على ابن دريد وابن الأنبارى وابن مقسم فلم يعرفوهما ولا عرفوا غالب ما استشهد به من أبيات: وقال ابن دريد: هذا مما وضعه أبو عمر من عنده. فلما جاء أبو عمر ذكر له القاضى ما قال ابن دريد. فطلب من القاضى أن يحضر له ما فى داره من دواوين العرب، فلم يزل يأتيه منها بشاهد لما ذكره بعد شاهد، حتى خرج من الثلاثين مسألة وشواهدها، ثم قال للقاضى: وأما البيتان فإن ثعلبا أنشدناهما وأنت حاضر فكتبتهما فى دفترك فطلب القاضى دفتره، فإذا هما فيه (٨) وتلك مكتبة قاض كان بها جميع دواوين العرب، ولو لم تحدث هذه القصة لما عرفنا شيئا


(١) رسائل الجاحظ (طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ٧٤.
(٢) الحيوان ١/ ٥٥.
(٣) الحيوان ١/ ٦٠.
(٤) السبكى ٢/ ٢٧.
(٥) معجم الأدباء ١٦/ ١٧٤.
(٦) إنباه الرواة ١/ ١٤٨.
(٧) معجم الأدباء ١٨/ ٣٠٧.
(٨) السبكى ٣/ ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>