إما عن اليونانية مباشرة وإما عن السريانية والفارسية مجموعات العلوم التى تتصل بهم من الرياضيات والعلوم الطبيعية، وسرعان ما أخذوا يشاركون فى هذا التراث فإذا يوحنا بن ماسويه ينفذ إلى إضافة مباحث جديدة فى التشريح، وإذا هم يضعون لحركات الأفلاك زيجات وجداول جديدة أكثر دقة من المأثورات الفارسية واليونانية، وإذا محمد بن موسى الخوارزمى ينشئ عصرا جديدا فى التاريخ العالمى للرياضيات فيكتشف علم الجبر وقواعده ويعطيه اسمه الذى عرف به فى العالم كله.
والدولة هى التى هيأت لذلك كله منذ أبى جعفر المنصور، فقد شجعت على الترجمة والنقل بكل الوسائل، ولم يلبث هرون الرشيد أن أنشأ دار الحكمة وجلب إليها المترجمين من مدرسة جنديسابور الفارسية ومن السريان والفرس، وخلفه المأمون فاستحالت هذه الدار جامعة كبرى، إذ ألحق بها مرصدا ومكتبة ضخمة، وأرسل البعوث إلى بيزنطة وبلاد الروم تأتيه بالمأثورات اليونانية المختلفة، وأخذت هذه المأثورات تستولى على معظم النشاط فى النقل والترجمة، حتى أصبحت لها نهائيّا الغلبة على المأثورات الفارسية والهندية.
وأشرنا فى حديثنا عن الترجمة فى العصر العباسى الأول إلى ما ترجم عن اليونانية، من الأصول المختلفة، فقد ترجمت فى الرياضيات النظريات الفلكية الإغريقية ومن أهم مصنفاتها التى عنى النقلة بترجمتها كتاب المجسطى لبطليموس الإسكندرى، كما عنوا بترجمة كتاب الأصول لأقليدس فى الهندسة، وترجموا كثيرا من المؤلفات اليونانية فى العلوم الطبيعية وخاصة ما اتصل عند أرسطو بعلم الحيوان وبوصف النباتات مما يهم الصيادلة، وترجموا فى الطب مصنفات جالينوس وبقراط. وترجموا لكثيرين من اليونان غير أرسطو، فترجموا لأفلاطون وغير أفلاطون مصنفات مختلفة. ويلاحظ أن العرب استعانوا فى هذه الترجمة بالسريان، وكانوا قد نقلوا إلى لغتهم قبل الإسلام كثيرا من المأثورات اليونانية، وتصادف أن أخذ وها من علماء المذهب الأفلاطونى الجديد، مع ما أضافوه إليها من شروح اقتبسوها من آراء أفلاطون أو من الأفلاطونية الجديدة المتأثرة بفيثاغورس أو بالرواقيين. وليس ذلك فحسب، فإن السريان فيما يبدو نسبوا إلى أرسطو وأفلاطون كتبا كثيرة، ونقلت إلى العرب بهذه النسبة الخاطئة، مثل كتاب