للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الربوبية المنسوب خطأ إلى أرسطو ومحوره بحوث فى النفس والإنسان تمزج بقصص كثيرة وبقواعد فى السياسة والصحة والتغذية. على أن كثيرا مما نسبوه إليه صحيح وخاصة ما يتصل بالطب والحيوان والعلوم الطبيعية. وكلما تقدمنا مع الزمن كثر الاهتمام به وبترجمة آثاره، حتى غدا المعلم الأول للعرب وعلمائهم وفلاسفتهم المختلفين، وخاصة فى علم المنطق والطبيعيات، أما فى الرياضيات فكان أساتذتهم فيها فيثاغورس وبطليموس وأقليدس.

ويذهب العصر العباسى الأول، ونمضى فى العصر العباسى الثانى فنجد حركة النقل والترجمة تزداد حدة وقوة وتنمو الترجمة عن اليونانية نموا عظيما، ويتم لها الانتقال من الترجمة الحرفية التى تمتلئ بالعثرات والصعوبات اللفظية إلى ترجمة الفقر والعبارات بالمعنى ترجمة دقيقة. وهذا هو السر فى أننا نجد كثيرا فى ترجمات المترجمين أنهم أعادوا ترجمة هذا الكتاب أو ذاك مما ترجمه الحجاج بن مطر وغيره من مترجمى العصر العباسى الأول. ويخيل إلى الإنسان أنهم لم يتركوا حينئذ كتابا يونانيّا فى أصله اليونانى أو فى ترجمته السريانية إلا ترجموه إلى العربية. وكان الذى أذكى الترجمة والنقل حينئذ الأموال الضخمة التى كان يغدقها المتوكل وغيره من الخلفاء على المترجمين، ويكفى أن نذكر ما أهداه المتوكل إلى حنين بن إسحاق المتوفى سنة ٢٦٤ فإنه أهداه ثلاث دور من دوره وحمل إليها كل ما تحتاج إليه من الأثاث والفرش والآلات والكتب وأنواع الستائر الأنيقة وأقطعه بعض الإقطاعات وجعل له راتبا شهريّا خمسة عشر ألف درهم غير ثلاثة خدم من الروم وغير ما أسبغه على أهله من الاموال والخلع والإقطاعات (١). وكان الوزراء بدورهم يغدقون على المترجمين أموالا كثيرة، سواء أهدوا إليهم بعض ترجماتهم أو بعض ما ألّفوه على هدى ما قرءوه فى اللغتين اليونانية والسريانية، وفى أخبار قسطا بن لوقا أنه أهدى إبراهيم بن المدبر كتابين كما أهدى الحسن بن مخلد وزير المعتمد كتابا (٢). وفى أخبار إسحق بن حنين أنه كان منقطعا إلى القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد (٣). وكان ثابت بن قرة لا ينقطع عن إسماعيل


(١) طبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة (نشر مكتبة دار الحياة ببيروت) ص ٢٧٠.
(٢) ابن أبى أصيبعة ص ٣٣٠.
(٣) ابن أبى أصيبعة ص ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>