للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول إن نعوت الجودة تتصل بكل منها مفردة ومركبة، ونراه يتأثر فى هذا الفصل بنظرية الحدود الوسطى التى شغف بها أرسطو فى حديثه عن الأخلاق، ويفيض فى الفصل الثانى فى الحديث عن نعوت الجودة، ويعرض لأغراض الشعر، ويحاول متأثرا بطريقة أرسطو أن يضع لها قواعد كلية عامة، وهو فى هذه القواعد يستمد كثيرا من كتابى الخطابة والشعر لأرسطو، وكأنه يريد بكل ما يستطيع من قوة أن يخضع البلاغة العربية للبلاغة اليونانية، وخانه التوفيق فى كثير من الأحيان، ولولا ما أضافه إلى ابن المعتز من بعض فنون البديع لتناسى النقاد التالون كتابه ولم يلتفتوا إليه أى التفات (١).

ولا بد أن نلاحظ بصفة عامة أن الذوق الذى كان مسيطرا على النقد والشعر جميعا كان ذوقا محافظا، وكان طبيعيّا أن يرفض نقد المتفلسفة المفرطين فى التجديد. وكان من المنتظر للغويين الذين يمثلون بدقة النزعة المحافظة أن يسيطروا على الحركة النقدية ولكنهم لم يستطيعوا لسبب مهم، وهو أنهم لم ينفذوا إلى وضع نظرية أو أصول من شأنها أن تشيع، ولذلك سيطر المتكلمون الذين استطاعوا أن يضعوا للنقد أصولا ورسوما واضحة، وساعد على سيطرتهم أنهم لم يكونوا يرفضون القديم بل كانوا يوازنون بينه وبين روح العصر كما أسلفنا، وبذلك ظلوا يحافظون للشعر على تقاليده الموروثة.

ونشطت فى العصر الكتابات التاريخية نشاطا عظيما فمن كتابة فى تاريخ السيرة النبوية إلى كتابة فى الأحداث الإسلامية والأمم والدول، وكتابة فى المدن، وكتابة فى التراجم والطبقات، ومرّ بنا فى كتاب العصر العباسى الأول أن ممن عنوا بالسيرة النبوية حينذاك ابن إسحاق وراوى سيرته ابن هشام والواقدى ومحمد بن سعد فى كتابه الطبقات وكذلك المدائنى أبو الحسن على بن محمد المتوفى سنة ٢٣٤، وله كتب ورسائل كثيرة فى السيرة النبوية وفى تاريخ القبائل والخلفاء بلغت عند ابن النديم نحو ٢٣٠ مصنفا. ومن أهم المؤرخين للسيرة النبوية فى العصر أبو زرعة (٢) عبد الرحمن بن عمرو الحافظ شيخ الشام فى وقته المتوفى سنة ٢٨٢، وفى مكتبة


(١) انظر فى تحليل نقد الشعر كتاب البلاغة تطور وتاريخ ص ٧٨.
(٢) انظر فى أبى زرعة تاريخ دمشق لابن عساكر ٧/ ٢٧٤ والنجوم الزاهرة ٣/ ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>