للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشر بن المعتمر عن الأديب ألا يقبل على عمله إلا إذا كان مستعدا له استعدادا كاملا، فتحدث عن العلاقة بين الشاعر والأوقات التى يستحبّ فيها نظم الشعر.

وخالف الجاحظ فى قصر الجمال الفنى على اللفظ فجعله شركة بينه وبين المعنى، فقد يحسن اللفظ والمعنى معا وقد يقبحان معا، وقد يحسن أحدهما ويقبح الآخر.

وكل ذلك كان يبشر بأن ابن قتيبة لن يرتد إلى الوراء وخاصة أنه سوّى بين القدم والحداثة فى الشعر ولكنه عاد فطلب إلى الشاعر ألا يحيد عن منهج المتقدمين فى نظام القصيد. ونلتقى فى أواخر العصر بناقد يتأثر بالجاحظ فى كثير من آرائه النقدية، كما يتأثر بابن قتيبة فى رده الجمال الفنى إلى اللفظ والمعنى معا، وهو ابن طباطبا صاحب عيار الشعر، ونراه فى مواضع من كتابه يشير إلى تماسك المعانى وارتباط أول الكلام بما يليه، ويشدد فى وحدة السياق وأن تتواصل أبيات القصيدة حتى تغدو بناء محكما بل حتى تغدو كأنها جسد واحد لا يمكن وضع عضو فيه مكان عضو آخر، وكأنما أحسّ ما يردده النقاد فى هذا العصر من فكرة الوحدة العضوية فى القصيدة بحيث يطرد فيها التناسق والالتحام حتى تصبح كلا واحدا، بل حتى كأنها لفظة واحدة ومعنى واحد (١).

ولم نتحدث حتى الآن عن البيئة الثالثة بيئة المتفلسفة فى النقد، ولعل خير من يمثلها قدامة فى كتابه «نقد الشعر» وهو فى مطالعه يصرّح ولا يجمجم بأنه إنما سيعنى بعلم جيّد الشعر ورديئه وأن أحدا لم يسبقه إلى وضع هذا العلم فى العربية. ويجعل الكتاب فى ثلاثة فصول، يخص أولها بتعريف الشعر وبيان أجزائه، والثانى بنعوت الجودة فى الشعر، والثالث بنعوت الرداءة. ويقف عند تعريف الشعر وقفة منطقية يستمد فيها بوضوح من منطق أرسطو وما ذكره عن الحدود والتعريفات وأجزائها، ويبدو هنا أنه لم يفهم نظرية أرسطو فى المحاكاة وأن المعوّل فى الشعر عليها لا على الوزن، وجاءه ذلك من سوء الترجمة لكتاب الشعر عند متى بن يونس فإن كثيرا من معانى الكتاب فى الأصل طمست طمسا، وهو ما جعل قدامة يضطرب فى الإفادة منه على صور شتى. وأجزاء الشعر عند قدامة اللفظ والمعنى والوزن والقافية،


(١) راجع فى تحليل عيار الشعر كتاب البلاغة تطور وتاريخ ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>