للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونمضى بعده إلى العصر العباسى الثانى، فتستمر القراءات فى كثرتها، وتبدو الحاجة واضحة إلى عالم بالقراءات يختار منها طائفة تذيع وتنتشر فى العالم الإسلامى، ويؤكد الحاجة إلى ذلك أن بعض القرّاء كان لا يجد حرجا فى القراءة بشواذ منها متناهية فى الشذوذ (١)، وحينئذ تجرّد للنهوض بهذه المهمة الخطيرة أبو بكر أحمد (٢) ابن موسى بن مجاهد التميمى إمام القرّاء ببغداد منذ سنة ٢٩٠ فأكبّ على القراءات وكتبها المصنفة، واستخلص منها سبعا هى قراءات نافع فى المدينة وعبد الله بن كثير فى مكة وعاصم وحمزة والكسائى فى الكوفة وأبى عمرو بن العلاء فى البصرة وعبد الله بن عامر فى دمشق، اتخذها إماما للناس، وألف فى ذلك كتابه السبعة، وكل من يراجعه يرى الجهد الهائل الذى أدّاه عن علماء القراءات فى عصره، فكل إمام من السبعة تذكر الطرق التى روى بها ابن مجاهد قراءته، وينص فى الكتاب على الاختلاف بين الطرق للإمام الواحد فضلا عن الطرق مجموعة لكل الأئمة.

وانبرى من بعده تلميذه أبو على الفارسى لكتابة شرح على هذا المصنف: «السبعة» يحتج فيه لوجوه القراءات المبثوثة به وجها وجها، سماه كتاب الحجة. وألف ابن مجاهد كتابا ثانيا فى شواذ القراءات، عنى ابن جنى بشرحه على نحو ما عنى أستاذه أبو على الفارسى بشرح السبعة، سماه المحتسب، وهو محقق ومنشور بالقاهرة.

ونما تفسير القرآن الكريم فى هذا العصر نموا واسعا، واتضحت فيه اتجاهات أربعة سيطرت على اتجاهاته فى العصور التالية، هى اتجاه التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأى أو التفسير الاعتزالى، والتفسير الشيعى، والتفسير الصوفى، أما التفسير بالمأثور فقد بلغ القمة المرجوّة التى كانت تنتظره عند محمد بن جرير الطبرى، إذ استطاع أن يجمع فى تفسيره عن طريق الروايات المسندة كلّ ما أثر


(١) انظر فى ذلك مقدمتنا لكتاب السبعة لابن مجاهد (طبع دار المعارف) حيث أوضحنا هناك موقف ابن مجاهد من معاصره ابن شنبوذ لقراءته حروفا تخالف مصحف عثمان المجمع عليه، وكذلك موقفه من ابن مقسم العطار لقراءته حروفا تخالف الإجماع وإن كانت موافقة لخط المصحف العثمانى ومعروف أنه لم يكن منقوطا، فكان يصحّف بعض الكلمات ويستخرج لها وجوها ظنية. وكل منهما ناظره ابن مجاهد واعترف بخطئه وتوبته من صنيعه بحضرة القراء والفقهاء.
(٢) انظر فى ترجمة ابن مجاهد طبقات القراء لابن الجزرى ١/ ١٣٨ وطبقات الشافعية ٣/ ٥٧ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>