للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن بسام، وكان يتعرض فى هجائه كثيرا للخلفاء والوزراء وقلما سلم أحد من لسانه ومن قوله فى العباس بن الحسن وزير المكتفى (١):

وزارة العباس من نحسها ... تستقلع الدولة من أسّها

شبّهته لما بدا مقبلا ... فى حلل يخجل من لبسها

جارية رعناء قد قدّرت ... ثياب مولاها على نفسها (٢)

وكان أكثر ما يعتمدون عليه فى الهجاء من معان التهوين والتحقير والتصغير وما إلى ذلك من طعنات مصمية نافذة، بما تحمل من سموم الانتقاص والسخرية المريرة، كقول إبراهيم بن العباس فى صديق تنكر له وجحد معروفه (٣):

ولما رأيتك لا فاسقا ... تهاب ولا أنت بالزاهد

وليس عدوّك بالمتقى ... وليس صديقك بالحامد

أتيت بك السوق سوق الرقيق ... فناديت هل فيك من زائد

على رجل غادر بالصديق ... كفور لنعمائه جاحد

فما جاءنى رجل واحد ... يزيد على درهم واحد

سوى رجل حار منه الشّقا ... وحلّت به دعوة الوالد

فبعتك منه بلا شاهد ... مخافة أدرك بالشاهد

وأبت إلى منزلى سالما ... وحلّ البلاء على الناقد (٤)

والمقطوعة تمسخ هذا الصديق مسخا، حتى لتجعله حيّا كميت وموجودا كمعدوم، فلا هو من أهل المجون ولا من أهل الزهد ولا يخشى بأسه عدو ولا يحمده صديق، إنه كنود مهين، ولذلك ذهب ببيعه الصولى فى سوق الإنسان الكبيرة، معلنا عيوبه من الغدر وكفر النعمة والجحود، مما جعل الناس يكفّون عن شرائه إلا


(١) زهر الآداب، ٣/ ٨٨.
(٢) قدرت: فصّلت وقطّعت
(٣) ديوان المعانى ١/ ١٨٣.
(٤) الناقد: المشترى.

<<  <  ج: ص:  >  >>