للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دواوينهم بالحديث عن الخمر والمجون، لما كانوا يتنفسون فيه من ترف بالغ مثل ابن المعتز، فكانوا ينظمون منه مقطوعات وأحيانا قصائد طويلة، ولابن الرومى فيه قصائد، بل مواعظ بديعة، من مثل قوله (١):

نبل الرّدى يقصدن قصدك ... فأجدّ قبل الموت جدّك (٢)

ودع البطالة والغوا ... ية جانبا وعليك رشدك

فكأننى بك قد نعي‍ ... ت وقد بكى الباكون فقدك

وتركت منزلك المش‍ ... يد معطّلا وسكنت لحدك

وخلوت فى بيت البلى ... وخلا بك الملكان وحدك

وسلاك أهلك كلهم ... ونسوا على الأيام عهدك

يتمتّعون بما جمع‍ ... ت ولا يرون عليه حمدك

متنعّمين وأنت تح‍ ... ت الرّمس يرعى الدود جلدك

وهو يرفع الموت نصب أعين الناس، وكأنه مطبق عليهم، حتى يرتدعوا عن البطالة والغىّ، فعمّا قريب سينزل بهم، وسيرتفع الصياح والضجيج عليهم، وسيتركون القصور المشيدة وينزلون اللحود المقفرة، ويسألهم الملكان عما قدمت أيديهم، ويسلوهم الأهل وينسونهم كأن لم يكونوا شيئا مذكورا، على حين يتمتعون بأموالهم التى جمعوها دون حمد لهم أو ثناء عليهم، وعلى حين يرعى الدود جثثهم وجلودهم، فحرى بالعاقل أن يتدبر أمره، وأن يتزود للآخرة زادا كبيرا من التقوى، فإن الموت له بالمرصاد، وهنيئا لمن انتفع بالموعظة وقدم من يومه وبره لغده.

وقد أخذ ينمو من هذا الزهد موضوع جديد من موضوعات الشعر العربى هو التصوف وسنعرض له فى غير هذا الموضع.


(١) الديوان ص ١٢٧.
(٢) أجد جدك: اجتهد فى الإخلاص لله والتوبة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>