للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنقض الشعر الجاهلى جميعه، وهى إنما تنقض جوانب منه، وينبغى أن نقف عندها، وأن لا نذهب مذهب التعميم، فإن القدماء إنما ذكروا هذا كله ليدلوا على ما أحاطوا به رواية الشعر الجاهلى من سياج قوى، حتى نميز الصحيح من الزائف والوثيق من المنحول.

ويمضى طه حسين فى مصنفه إلى الكتاب الرابع، وهو دراسة تطبيقية لبيان الانتحال فى شعر طائفة من شعراء اليمن وربيعة ويبدأ فى دراسته بامرئ القيس ويتشكك فى شعره، لأنه يمنى وشعره قرشى اللغة، ثم هو شعر مضطرب ركيك.

ومر بنا أنه كان يمنى الجنس، ولكنه كان قرشى اللغة، أما أن شعره ركيك والوضع فيه كثير، فقد كان يغنيه عن هذا الظن ما يروى عن الأصمعى من أنه قال:

«كل شئ فى أيدينا من شعر امرئ القيس فهو عن حماد الراوية إلا نتفا سمعتها من الأعراب وأبى عمرو بن العلاء (١)». ونراه ينتقل إلى علقمة الفحل فيشك فى شعره، وقد كان ابن سلام لا يثبت له سوى ثلاث قصائد (٢). وشك فى شعر عبيد بن الأبرص، وأسلفنا أن ابن سلام لم يكن يعرف له سوى معلقته (أقفر من أهله ملحوب) وكان يقول إن شعره مضطرب ذاهب. ومضى على هذا النحو يشك فى شعر عمرو ابن قميئة ومهلهل وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلزة وطرفة والمتلمس والأعشى معتمدا على الأحكام الذاتية، ولو أنه استقصى آراء الرواة الثقات لأعانه ذلك كثيرا فى تحقيق أشعارهم جميعا.

وننتقل مع طه حسين فى مصنفه إلى الكتاب الخامس، وهو خاص بشعراء مضر، فنراه لا يستبعد أن يكون هناك شعراء مضريون وشعر مضرى، غير أنه لا يلبث أن يستدرك قائلا: «لكننا لا نشك أيضا فى أن هذا الشعر قد ذهب وضاعت كثرته، ولم يبق لنا منه إلا شئ قليل جدا لا يكاد يمثل شيئا، وهذا المقدار القليل الذى بقى لنا من شعر مضر قد اضطرب وكثر فيه الخلط والتكلف والنحل، حتى أصبح من العسير جدا إن لم يكن من المستحيل تخليصه وتصفيته (٣)».

ويضيف إلى ذلك أن من الخطأ أن نكتفى فى الحكم على الشعر المضرى بالسند ومن يحمله من الرواة، أو بالغرابة والسهولة، ذاهبا إلى أن الباحث فى هذا الشعر


(١) مراتب النحويين ص ٧٢.
(٢) ابن سلام ص ١١٦
(٣) فى الأدب الجاهلى ص ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>