للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينبغى أن يحكّم فيه مقياسا مركبا من خصائص فنية يشترك فيها طائفة من الشعراء بحيث يكوّنون مدرسة كمدرسة أوس بن حجر التى تتألف منه ومن زهير وابنه كعب والحطيئة، فإن لهذه المدرسة من الخصائص الفنية المشتركة ما يؤكد صحة شعرها وسلامته من الوضع والانتحال. وكأنه بذلك يهدم شكوكه الواسعة فى الشعر الجاهلى، فقد رجع أخيرا يسلم بصحة بعض جوانبه ودواوينه. على أننا لا نسلم له بطرد هذا المقياس فى تلك المدرسة نفسها، فقد لاحظ القدماء أن شعر أوس بن حجر اختلط بشعر ابنه شريح (١)، واختلف الرواة فى بعض ما نسب إليه من شعر هل هو له أو لعبيد ابن الأبرص الأسدى (٢)، وسنرى فى درسنا لزهير أن من الخطأ أن نقبل رواية الكوفيين لديوانه، فقد حملت زيادات كثيرة، شك القدماء فى أطراف منها، ونفس الرواية البصرية سنرفض قطعا وأشعارا منها، رغم أنها جاءتنا عن الأصمعى بل سنرى الأصمعى نفسه يشك فى ثلاث قصائد مثبتة فى روايته.

والحق أن الشعر الجاهلى فيه موضوع كثير، غير أن ذلك لم يكن غائبا عن القدماء، فقد عرضوه على نقد شديد، تناولوا به رواته من جهة وصيغه وألفاظه من جهة ثانية، أو بعبارة أخرى عرضوه على نقد داخلى وخارجى دقيق. ومعنى ذلك أنهم أحاطوه بسياج محكم من التحرى والتثبت، فكان ينبغى أن لا يبالغ المحدثون من أمثال مرجليوث وطه حسين فى الشك فيه مبالغة تنتهى إلى رفضه، إنما نشك حقا فيما يشك فيه القدماء ونرفضه، أما ما وثقوه ورواه أثباتهم من مثل أبى عمرو بن العلاء والمفضل الضبى والأصمعى وأبى زيد فحرى أن نقبله ما داموا قد أجمعوا على صحته. ومع ذلك ينبغى أن نخضعه للامتحان وأن نرفض بعض ما رووه على أسس علمية منهجية لا لمجرد الظن، كأن يروى لشاعر شعر لا يتصل بظروفه التاريخية، أو تجرى فيه أسماء مواضع بعيدة عن موطن قبيلته، أو يضاف إليه شعر إسلامى النزعة، ونحو ذلك مما يجعلنا نلمس الوضع لمسا.


(١) الحيوان ٦/ ٢٧٩
(٢) ابن سلام ص ٧٦ - ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>