للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكرى قيامة المسيح، ومنهن من تلبّد شعرها وتشدّه وتجمّعه، ومنهن من تنتطق بأحزمة الزنّار مختالة، وفوارة ماتنى ترسل سهامها إلى السماء كأنما لها ثأر عندها، وكأنما تردّ على المزن قطرها.

وأهم من وصف القصور وصف الطبيعة، وكان الشعراء فى العصر العباسى الأول أكثروا من تصويرها فى مقدمات مدائحهم، وتبعهم شعراء هذا العصر يصفونها تارة فى إيجاز وتارة فى إطناب وإسهاب رامزين بها إلى عهد الممدوح وجماله، وكثيرا ما وصفوا فى هذه المقدمات الغيث والسحب والبروق لبيان كرم الممدوح من جهة وما شمل البلاد فى زمنه من خصب وامتد على صفحاتها من جنات وعيون وزروع، وتصور ذلك من بعض الوجوه حائية ابن المعتز فى مديح المعتضد، وقد استهلها بوصف البرق والسحاب الهاطل من مثل قوله (١):

من رأى برقا يضئ التماحا ... ثقب الليل سناه فلاحا (٢)

وكأن البرق مصحف قار ... فانطباقا مرة وانفتاحا

فى ركام ضاق بالماء ذرعا ... حيثما مالت به الريح ساحا (٣)

لم يدع أرضا من المحل إلا ... جاد أو بعد عليها جناحا (٤)

وسقى أطلال هند فأضحت ... يمرح القطر عليها مراحا

فالليل أضاءته مصابيح البروق، وكأنها حين تشتعل وتنطفئ مصاحف بأيدى قرّائها تنفتح وتنطبق، وسيول المطر تتدافع من كل صوب نافئة لعابها من جدب إلى جدب ومن حوض إلى حوض. والسحب تمد جناحها وتبسط ركامها والأرض تمرح فى نباتاتها ورياحينها وبطاحها الخضراء.

ومرّ بنا أنهم كانوا يكثرون من وصف الربيع فى تهنئاتهم بعيد النيروز، وأخذ حينئذ وصف الطبيعة يستقل عن المديح ويصبح فنّا قائما بنفسه، له قصائده وأشعاره، وهى تارة تعنى بوصف جميع الأنوار فى الربيع، ولا يبارى ابن المعتز


(١) الديوان ص ١٤١.
(٢) التماحا: التماعا.
(٣) ركام: سحاب مركوم: متراكم بعضه فوق بعض.
(٤) المحل: الجدب.

<<  <  ج: ص:  >  >>