للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السقم وما يتصل به من عذاب هذا الحب الظامئ وناره التى لا تخمد أبدا، حتى ليقول (١):

إن كنت للسقم أهلا ... فأنت بالشكر أولى

عذّب فلم تبق قلبا ... يقول للسّقم مهلا

فهو يشكره على سقمه لأنه يجد فيه متاعا لا يشبهه متاع، بل إنه ليطلب عذابه لأنه لم يعد يشعر بقلبه ولا بما قد يألم من العذاب والسقم.

وكان طبيعيّا أن ينمو فى العصر الشعر الذى يصور حياة الشعب وما كان يجرى فيها من بؤس وإقلال ومسغبة، ومن خير الشعراء الذين يصورون هذا الجانب جحظة البرمكى، إذ نراه يكثر من بيان الشقاء والبؤس اللذين يعيش فيهما بمثل قوله (٢):

إنى رضيت من الرحيق ... بشراب تمر كالعقيق

ورضيت من أكل السّمي‍ ... ذ بأكل مسودّ الدقيق

ورضيت من سعة الصح‍ ... ون بمنزل ضنك وضيق

وكان يذهب مذهبه فى الكدية واحتراف التصعلك والشحاذة الأدبية غير شاعر، وكان لهذه الطائفة مقدمات فى العصر العباسى السالف، ولكنها اتسعت فى هذا العصر، وأصبح هناك كثيرون يتخذون الكدية حرفة لهم يبتزون بها أموال الناس.

وظلت مجالس الخلفاء وعلية القوم تعنى بالفكاهات والنوادر المستملحة، وأشاع ذلك روحا هزلية فى كثير من الشعراء، وكانوا ما يزالون يتخذون الوسائل إلى ذلك، كأن نجد شخصا يسمى سعيد بن أحمد بن خوسنداد يهدى إلى ابن حمدون شاة هزيلة، فينظم فى وصفها كثيرا من المقطوعات، تارة يصور هزالها وتارة يصور جوعها وحرمانها وبؤسها فى أبيات كلها دعابة وكلها سخرية وفكاهة من مثل قوله (٣):


(١) السلمى ص ١٥٦.
(٢) ذيل زهر الآداب ص ١٤٩.
(٣) زهر الآداب ٢/ ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>