للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستطرد إلى وصف رحلة له فى الصحراء مع بعض الفتية، مصورا ما تجشمه فى السّرى من الصعاب وما كان ينزله من الآبار والذئاب تعوى حوله، ثم ينتقل فجأة إلى وصف الخمر، وكان منهوما بها، وهو يصرح بذلك ولا يخفيه، بل إنه يتسع فى تصريحه بأنه عبّ من كل ما كان يشتهيه. والطريف أن هذه الأرجوزة التى قصد بها ابن دريد إلى أخذ الناس بحفظ الألفاظ المقصورة فى اللغة لا تتعمق فى الإغراب اللفظى، فقد استطاع أن يسلك الكثرة من ألفاظها فى أساليب سهلة يسيرة، وحتى الأساليب والصياغات الأخرى لا تتعمق فى الإغراب، مما يدل على مقدرته الشعرية البارعة.

ولابن دريد وراء هذه القصيدة قصائد أخرى تتضح فيها هذه الغاية اللغوية التعليمية، من ذلك قصيدته (١) فى المقصور والممدود، وقد اشتملت على سبع وخمسين كلمة مقصورة ومثلها ممدودة من نفس مادتها، وقد بدأها بما يفتح أوله فيقصر ويمدّ والمعنى مختلف من مثل قوله:

لا تركننّ إلى الهوى ... واحذر مفارقة الهواء

يوما تصير إلى الثّرى ... ويفوز غيرك بالثراء

وتلا ذلك بما يكسر أوله فيقصر ويمد والمعنى مختلف من مثل: الّلوى (٢) واللواء. ثم ما يكسر أوله فيقصر، ويفتح فيمد، والمعنى واحد مثل: سوى وسواء. ثم ما يضم أوله فيقصر، ويكسر فيمد والمعنى واحد، مثل: لقا ولقاء.

ثم ما يفتح أوله فيقصر، ويكسر فيمد، والمعنى واحد مثل: الغدا والغذاء.

ثم ما يفتح أوله فيقصر، ويكسر فيمد، والمعنى مختلف، مثل: السّحا والسحاء (٣).

ثم ما يضمّ أوله فيقصر، ويفتح فيمد، والمعنى مختلف، مثل: ضحى وضحاء (٤).

وفى ديوانه قصيدة (٥) ملأها بالغريب، نظمها تحديا لبعض علماء اللغة موردا عليه طائفة كبيرة من ألفاظها الآبدة، وهى لذلك تضمّ إلى القصيدتين التعليميتين السابقتين،


(١) ديوان ابن دريد (طبع القاهرة ص ٢٩.
(٢) اللوى: منقطع الرمل.
(٣) السحا: القرطاس: السحاء: ضرب من الشجر.
(٤) الضحى: وقت ارتفاع الشمس. الضحاء: النهار.
(٥) الديوان ص ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>