للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعراء القدماء مفتتحا لها بقوله:

يا ظبية أشبه شئ بالمها ... ترعى الخزامى بين أشجار النّقا (١)

وقد مضى يشكو من شيبه وحبه وسهاده لطول الفراق، وكيف أنه يحتمل من آلام الشوق وعذابه ما لا يحتمله الصخر الأصم، حتى لقد ذوى غصنه الرطيب وأصبحت حياته كلها غصصا لا تطاق، ويتجه إلى الدهر الذى يصب عليه المحن بالخطاب قائلا:

يا دهر إن لم تك عتبى فاتّئد ... فإن إروادك والعتبى سوا (٢)

لا تحسبن يا دهر أنى جازع ... لنكبة تعرقنى عرق المدى (٣)

مارست من لو هوت الأفلاك من ... جوانب الجوّ عليه ماشكا

لكنها نفثة مصدور إذا ... جاش لغام من نواحيها عما (٤)

وهو يبدى أمام محن الدهر وخطوبه صلابة وقوة لا حد لها حتى لو خرّت عليه الأفلاك ما تألم ولا شكا، وقد مضى يتعزى بمن سطا الدهر عليهم قبل أن يحققوا آمالهم من أمثال امرئ القيس ويزيد بن المهلب، واستطرد يتحدث عن بعض ذوى الهمم الشامخة أمثال سيف بن ذى يزن وعمرو بن هند، وكأنما سرت فى روحه شجاعتهم فإذا هو فى عدّة الحرب رفيقاه السيف والفرس، ويفيض فى وصفهما وخاصة فى أوصاف الفرس، وكأنه يكتب فيه رسالة لغوية مستقلة. ويصف رحلته إلى الأهواز بفارس، ثم يأخذ فى مديح الأميرين. حتى إذا فرغ منه وصف فتاة ساحرة خلبت لبه، ويعقب ذلك بطائفة من الحكم يحشدها حشدا من مثل قوله:

وإنما المرء حديث بعده ... فكن حديثا حسنا لمن وعى


(١) المها: بقر الوحش. الخزامى: نبات زهره طيب. النقا: القطعة من الرمل.
(٢) اتئد: تأن. الإرواد: الترفق.
(٣) تعرق: تفصل اللحم عن العظم. المدى: السكاكين.
(٤) اللغام: الزبد على فم البعير. عما: سقط

<<  <  ج: ص:  >  >>