للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتحدث عن خذلان أهلها لعلى بن أبى طالب وقتله وقعودهم عن نصرة الحسين ومصرعه تحت أعينهم دون أن يهبوا لنجدته ويعصفوا بقتلته، يقول:

ثم بكوا من بعده وناحوا ... جهلا كذاك يفعل التمساح

ويبالغ فى ذمهم حتى ليجعلهم أس كل ضلال ومنبت كل الفرق لا من الشيعة فحسب، بل أيضا من الخوارج. وينوه بانتصار شبل غلام الطائى على القرامطة فى سواد الكوفة وأسره لقائدهم ابن أبى قوس على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع، وما كان من صلبه لسنة ٢٨٩ على الجسر ببغداد، وهى السنة التى توفى فيها المعتضد. وقد يدل ذلك على أن ابن المعتز لم يفرغ من نظمه لتلك الأرجوزة إلا فى هذه السنة، وربما فرغ منها قبل ذلك وأضاف إليها بأخرة هذا الجزء، ولا ريب فى أنه ألحق بها الأبيات الثلاثة الأخيرة التى تشير إلى وفاة المعتضد وانتهاء خلافته لعام تسع وثمانين ومائتين. والأرجوزة قوية النسج، وهى تتفوق فى هذا الجانب على أرجوزة ابن الجهم، إذ تتناسق فيها الصياغة تناسقا بديعا، وتبدو فيها بوضوح عواطف ابن المعتز ومشاعره، مما يجعلها تخفق بحيوية قوية.

وقد استطاع أن يودع فيها سيرة المعتضد وأحوال الشعب فى عهده من جميع جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وبون بعيد بينها. وبين كتب التاريخ مثل الطبرى من هذه الناحية، ففى تلك الكتب إنما نعرف الثورات والحروب وبعض الأعمال الكبرى، وقلما اطلعنا على جانب من جوانب حياة الشعب، أما فى تلك الأرجوزة فالشعب ماثل أمامنا وسياط جباة الضرائب تنوشه ويزجّ به فى السجون ظلما وعدوانا وأمواله تسلب منه بغيا وطغيانا.

وأما ابن دريد فكان عالما لغويّا كبيرا، ينظم الشعر ويحسنه، وله ديوان مطبوع، وقد عنى بتضمين طائفة من أشعاره بعض المعارف، وأشهر ماله فى هذا الباب مقصورته (١) التى مدح بها عبد الله بن محمد بن ميكال والى الأهواز وابنه إسماعيل، وقد بنى قافيتها على الحرف المقصور وجعلها فى نحو مائتين وخمسين بيتا، ويقال إنه ضمّنها ثلث المقصور فى اللغة (٢)، وقد استهلها بالنسيب على طريقة


(١) انظر المقصورة فى الديوان، وهى مطبوعة بشرح الخطيب التبريزى فى دمشق.
(٢) خزانة الأدب للبغدادى ٣/ ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>