للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد التهبت منه جوانح الفؤاد، ويشكو المشيب ويذكر اقتطافه زهرات الحب ذات ليلة، ثم يعود إلى الشكوى من الهجر والفراق، ويجرى حوارا طريفا عن حبة بين فتاتين تتبادلان الرأى فى وصله وصدّه، ومن طريف ما له فى الغزل قوله (١):

سقى الله ليلا ضمّنا بعد فرقة ... وأدنى فوادا من فوادا من فؤاد معذّب

فبتنا جميعا لو تراق زجاجة ... من الرّاح فيما بيننا لم تسبّب

وكأنهما أصبحا روحين فى بدن.

والفخر كثير فى أشعار ابن الجهم، وهو يردد الفخر بقرشيته وبفتوته التى أغرته بأن يكون صاحب لهو ومجون على الأقل فى فترات من حياته، وصوّر حين حبس وصلب عريانا صلابة نفس غير مألوفة، إذ ظلت نفسه قوية وظلت لا تنكسر أبدا. ويستشعر هذا المعنى فى عمق حين يفتتح إحدى قصائده التى استعطف بها المتوكل بقوله (٢).

هى النفس ما حمّلتها تتحمّل ... وللدهر أيام تجور وتعدل

ولا عار إن زالت عن الحرّ نعمة ... ولكنّ عارا أن يزول التجمّل

وكان لا يزال يشعر بقرشيته وأنه من أرفع الأسر العربية مكانة وأعلاها منزلة، وكاد له خصومه عند المتوكل واستتبع كيدهم السجن والقيود والأغلال والظلم والعسف، ولكنه احتمل وقاوم، حتى ليقول لبعض صواحبه (٣):

فلا تجزعى إمّا رأيت قيوده ... فإن خلاخيل الرجال قيودها

إنها ليست قيودا وسلاسل بل هى حلىّ الرجولة والفتوة، وهو خليق أن يتحلّى بها مهما عرضته لشر أو ضيق أو ضر، ويحاول مرارا وتكرارا أن يظهر تجلده واحتماله لأثقال السجن وقيوده. فنفسه لا تضعف ولا تهون، بل لعل نيران هذه المحنة قد زادتها صلابة فوق صلابة، إنها من جوهر كريم لا تذيبه المحن والخعلوب


(١) الديوان ص ٩٥
(٢) الديوان ص ١٦٢ وطبقات الشعراء لابن المعتز ص ٣٢١.
(٣) الديوان ص ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>