للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أبو الوليد يتولى المظالم بسامرّاء وعزله عنها المتوكل حين صادر أمواله وأموال أبيه لسنة ٢٣٧ وابن الجهم يشير بالعدل والتوحيد إلى مبدأين أساسيين فى الاعتزال، إذ كان المعتزلة يوجبون العدل على الله مما أداهم إلى القول بفكرة خلق الناس لأفعالهم وحرية إرادتهم حرية تامة دون جبر أو إلزام، حتى يثابوا ويعاقبوا على أعمالهم وما يأتون من الخير والشر. وأما التوحيد فأرادوا به تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، بحيث لا يحصره مكان ولا زمان. وكان مروان بن أبى الجنوب كثير التعرض له يذمه ويهجوه، ويقال إنه هجاه يوما فى مجلس المتوكل، فأطرق ثم رماه بهذين البيتين المصميين (١):

بلاء ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذى حسب ودين

يبيحك منه عرضا لم يصنه ... ويرتع منك فى عرض مصون

وقد جرّده من الحسب والدين والعرض والشرف.

ولابن الجهم غزل كثير، وهو تارة يضعه فى مقدمات قصائده، مذيبا فيه لواعج حبه، وتارة يفرده بمقطوعات تصور ما يثير الحب فى فؤاده من العواطف والمشاعر، ومن مقدماته المشهورة التى طارت على كل لسان قوله فى فاتحة إحدى مدائحه للمتوكل (٢):

عيون المها بين الرّصافة والجسر ... جلبن الهوى من حيث أدرى ولا أدرى

أعدن لى الشّوق القديم ولم أكن ... سلوت ولكن زدن جمرا إلى جمر

وهو تصوير بديع لما ترسل العيون من سهام الحب التى تفد من كل مكان مكشوف وخبئ من حيث يدرى ابن الجهم ومن حيث لا يدرى، وقد أعدن له جذوة الحب القديم التى لا سبيل إلى إطفائها وأوقدن بجانبها جذوات كثيرة حديثة، وقلبه يلتاع لوعة شديدة. ومضى يتحدث عن صواحب تلك العيون وكيف أنهن يضئن من بعيد كالأهلة تتزود منها الأبصار، ولا متاع سوى متاع النظر والخيال،


(١) الديوان ص ١٨٧.
(٢) الديوان ص ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>