للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمال الشرقى من حلب على الطريق المؤدية منها إلى الفرات، وقيل: بل ولد بقرية تجاورها تسمّى «زردفنة» والرأى الأول أصح، لأن البحترى نفسه يكرّر كثيرا فى شعره «منبج» مسقط رأسه، وكانت تنزلها عشائر من طيئ. وهى كما يقول ياقوت فى معجم البلدان: مدينة كثيرة البساتين عذبة الماء باردة الهواء، أقطعها الرشيد عبد الملك بن صالح الهاشمى، وفى ديوان البحترى مدائح كثيرة لابنه محمد ولطائفة من أسرته عاشت فى منبج وحلب.

وليس لدينا أخبار عن هيئته وصورته إلا ما روى عنه فيما بعد من أنه كان أسمر طويل اللحية. وقد نشأ فى أحضان عشيرته يتغذى من فصاحتها ويبدو أنه اختلف مبكرا إلى الكتّاب، فحفظ القرآن أو شطرا كبيرا منه. كما حفظ كثرا من الأشعار والخطب، واختلف حين شبّ إلى حلقات العلماء فى المساجد يأخذ عنهم اللغة والنحو وشيئا من الفقه والتفسير والحديث وعلم الكلام. واستيقظت فيه موهبة الشعر مبكرة، وسرعان ما أخذ يكثر من نظمه فى بعض من عرفهم من عامة أهل بلدته أو كما يقول ابن خلكان من أصحاب البصل والباذنجان، وامتد به طموحه فتجاوز به بلدته إلى بلاد أكبر من حولها، إذ نراه ينزل حلب، وهناك تعرّف على علوة بنت زريقة التى شغفته حبّا، ويبدو أن زريقة كانت مغنية، وتعرّف أيضا على صديق يسمى الذفافى مدحه ببعض شعره، وهجاه فيما بعد لاقترانه بعلوة، على شاكلة قوله (١):

نبّئتها زوّجت أخا خنت ... أغنّ رطب الأطراف ليّنها

وظلت دار علوة قائمة بحلب، حتى عصر ياقوت إذ يقول: «وفى وسط البلد «حلب» دار علوة صاحبة البحترى». وقد يدل ذلك على يسار الذفافى وأنه شيد لها دارا فخمة. وظلت ذكراها لا تبرح ذاكرة البحترى حتى الأنفاس الأخيرة من


= وتاريخ بغداد ١٣/ ٤٤٦، ومعجم الأدباء لياقوت ١٩/ ٢٤٨، وابن خلكان، ومرآة الجنان لليافعى ٢/ ٢٠٢، وشذرات الذهب لابن العماد ٣/ ١٨٦ والنجوم الزاهرة /٩٩٣/، وحياة البحترى وفنه لأحمد أحمد بدوى، والفن ومذاهبه فى الشعر العربى (الطبعة السابعة-طبع دار المعارف) وديوانه بتحقيق حسن الصيرفى ومقدمته (طبع دار المعارف).
(١) الديوان ٤/ ٢٣٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>