للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعشرون قصيدة، ومن عمال المتوكل الذين مدحهم دليل بن يعقوب النصرانى (١).

وتحوّل إزاء أعمال المتوكل وكل ما حدث فى عصره إلى ما يشبه آلة راصدة، فهو يسجل لسنة ٢٣٥ عقده ولاية العهد لأبنائه الثلاثة: المنتصر والمعتز والمؤيد قائلا (٢):

قدّامهم نور النبىّ وخلفهم ... هدى الإمام القائم المحمود

ولا يترك نصرا على ثائر إلا ويدوّنه. وكان بطارقة أرمينية خلعوا الطاعة وفتكوا لسنة ٢٣٧ بيوسف بن محمد بن يوسف الثغرى والى إقليمهم، فوجه إليهم المتوكل جيشا سحقهم سحقا وألقوا عن يدوهم صاغرون، ونوّه البحترى بهذا الانتصار طويلا. وكانت قد حدثت فى أواخر العقد الرابع من القرن أو أوائل الخامس حروب دامية بين قبائل ربيعة: تغلب وشيبان وغيرهما، واستطاع الفتح بن خاقان أن يحقن الدماء بينها وأن يردّها إلى الطاعة، ومن الغريب أن لا تعنى كتب التاريخ بهذا الحدث العناية المنتظرة، بينما نرى البحترى يسجلها، وقد بلغ به الأسى أقصاه إذ يرى هذه القبائل المنحدرة من أب وأصل واحد تفقد ما ينبغى أن يكون بينها من البرّ والعطف، فإذا هى تفزع إلى السيف وإلى القوة والقهر وسفك الدماء، يقول (٣):

وفرسان هيجاء تجيش صدورها ... بأحقادها حتى تضيق دروعها

تقتّل من وتر أعزّ نفوسها ... عليها بأيد ما تكاد تطيعها

إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها ... تذكّرت القربى ففاضت دموعها

شواجر أرماح تقطّع بينهم ... شواجر أرحام ملوم قطوعها (٤)

فبعضهم يسفك دم بعض ويده لا تطاوعه، والدماء تفيض والدموع تسيل والرماح تقطع علائق الأرحام. وأعاد المتوكل ووزيره الفتح الأمر إلى نصابه من الأمن والسلم، فأغمدت السيوف وقرّت القلوب الخافقة ونامت العيون المسهّدة. ويثب أهل حمص بعاملهم (٥) لسنة ٢٤٠ ويعودون إلى الوثوب والثورة فى سنة ٢٤١ وينكل


(١) الديوان ٣/ ١٦٨٩.
(٢) الديوان ٢/ ٧٠١.
(٣) الديوان ٢/ ١٢٩٩.
(٤) الشواجر: المتشابكة المتداخلة
(٥) تاريخ الطبرى ٩/ ١٩٧ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>