ولم تكن أمه رومية، بل كانت فارسية، وعلى نحو افتخاره بأصوله من الروم يفتخر بأصوله وخئولته من الفرس، حتى لينسب نفسه إلى ملوكهم الساسانيين، وهى نسبة لم يكن عليها حجاب، فكان كثير من الشعراء ذوى الأصول الفارسيّة يدّعونها، ومن فخره بنسبه العريق-فى رأيه-من قبل أبيه وأمه قوله:
كيف أغضى على الدنيّة والفر ... س خئولى والروم هم أعمامى
وقد ولد لأبويه ببغداد سنة ٢٢١ للهجرة نضوا ضئيلا نحيلا دميم الوجه تقتحمه العيون، وظل طوال حياته ينعى على نفسه دقة جسمه وضآلته وقبحه، وله فى ذلك أشعار كثيرة يصرح فيها بدمامته وما انضم إلى ذلك من صلعه الذى كان يأخذ معظم رأسه حتى اضطر ألا يخلع العمامة أبدا، وله مقطوعة يصور فيها صلعه وقبح وجهه، ونراه يختمها بقوله (١):
شغفت بالخرّد الحسان وما ... يصلح وجهى إلا لذى ورع
كى يعبد الله فى الفلاة ولا ... يشهد فيها مساجد الجمع
ويبدو أن أباه كان على شئ من اليسار، وحقّا توفى فى مطالع حياته، ولكن يظهر أنه ترك للأسرة ما يتيح لها على الأقل كفاف العيش. وكان له ابن آخر يسمى محمدا عمل فى الدواوين الحكومية، كما كانت له فتاة مائت قبل أمها، وابن الرومى فى نحو الخمسين من عمره. على كل حال مكّن يسار هذه الأسرة لابن الرومى أن يتجه إلى التعلم فالتحق ببعض الكتاتيب، وكانت تعنى بتحفيظ القرآن الكريم وتلقين الناشئة النحو وبعض الأشعار والخطب وشيئا من الحساب، فالتهم ذلك كله الصبى، ثم مضى يختلف إلى حلقات العلماء فى المساجد تارة يستمع إلى محمد بن حبيب الراوية المعروف أو إلى زميله ثعلب، وأخرى يستمع إلى بعض المحدّثين أو بعض الفقهاء أو بعض رواة التاريخ والأخبار. وكانت دار الحكمة التى عنى