لأنه يقفنا وقوفا دقيقا على مصادره، إذ يذكر دائما الإسناد فى القصيدة وألفاظها وأبياتها مثبتا ما اختلف فيه الرواة البصريون وعلى رأسهم الأصمعى والكوفيون وعلى رأسهم ابن الأعرابى وأبو عمرو الشيبانى ومن جاء بعدهم من البغداديين مثل عبد الله ابن إبراهيم الجمحى، ومن بين من ينقل عنهم أبو عبيدة. ومنه نعرف أن الأصمعى كان ينقل عن مصدر من نفس القبيلة هو عمارة بن أبى طرفة الهذلى. وبذلك كانت أجزاء من هذه القطع التى رواها السكرى عن ديوان هذيل لا تقل ثقة ولا قيمة تاريخية عن المفضليات والأصمعيات.
ومن الكتب الجيدة التى تشتمل على شعر جاهلى كثير شرح النقائض لأبى عبيدة، فقد أنشد فيه كثيرا من الشعر الذى قيل فى أيام العرب وحذا حذوه من كتبوا فى أيام العرب مثل ابن الأثير فى كامله وابن عبد ربه فى عقده. ومن الكتب الجيدة أيضا طبقات الشعراء لابن سلام، ومر بنا أنه أودع فيه دراسة دقيقة للشعر الجاهلى صحيحه ومصنوعه. أما كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة فربما كان خير ما فيه مقدمته التى يحاول أن يربط فيها شعراء عصره بالمثل الجاهلية القديمة، أما بعد ذلك فالكتاب فقير فى تراجمه وما يطوى فيها من أخبار وأشعار غير مسندة إلى رواتها.
وهناك كتب أدب ألفت فى البصرة مثل البيان والتبيين والحيوان للجاحظ والكامل للمبرد، ومن الخير أن نرد ما بها من شعر إلى روايات بصرية صحيحة، حتى نكون أكثر طمأنينة. ويجرى مجراها ما فى أمالى اليزيدى ومجالس ثعلب من أشعار وينبغى أن نتلقى كتب الأدب البغدادية مثل عيون الأخبار لابن قتيبة بحذر، مثلها أمالى أبى على القالى ففيها انتحال كثير. ومن المختصرات التى تفيد فى المراجعة كتاب المؤتلف والمختلف للآمدى ومعجم الشعراء للمرزبانى وكتابه الموشّح نفيس فى التعرف على كثير مما وضع على الشعراء الجاهليين. وهناك أشعار جاهلية كثيرة فى كتب النقد مثل نقد الشعر لقدامة والصناعتين لأبى هلال العسكرى والوساطة بين المتنبى وخصومه للجرجانى والعمدة لابن رشيق، ومثلها مثل الشواهد المبثوثة فى كتب اللغة والنحو ينبغى التوثق منها بالرجوع إلى المصادر الأصلية الوثيقة. أما ما جاء فى كتب السير والأخبار والتاريخ كسيرة ابن هشام وتاريخ الطبرى ومغازى الواقدى فينبغى أن نرفضه إلا أن تدعمه روايات صحيحة.
وإذا كنا فقدنا كثيرا من الدواوين المفردة ودواوين القبائل وما كان بها من