للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هدية منه، ولم يرسل السبت التالى. فكتب إليه قصيدة يقول فيها (١):

ما لحيتاننا جفتنا وأنّى ... أخلف الزائرون منتظريهم

قد سبتنا وما أتتنا وكانوا ... يوم لا يسبتون لا تأتيهم

ومن الشخصيات التى ظل يمدحها طويلا على بن يحيى المنجم، وهو من كبار المثقفين فى عصره، وسبق أن تحدثنا عن مكتبته العظيمة، وكان شاعرا ونديما رفيعا للخلفاء من المتوكل إلى المعتمد، ولا يعرف بالضبط بدء اتصال ابن الرومى به وله فيه قصائد ومقطوعات كثيرة، وله يعاتبه (٢):

لتهنأ رجال لا تزال تجودهم ... سحائب من كلتا يديك مواطر

عنيت بهم حتى كأنك والد ... لهم وهم-دونى-بنوك الأصاغر

وممن تدور أسماؤهم فى ديوانه جحظة، وكان شاعرا ويحسن الضرب على الطبل، وكان ينادم المعتمد، وهو نديم من نوع آخر غير نوع على بن يحيى المنجم، نديم مضحك، يتّخذ للهزؤ به والفكاهة. وكان يصطدم بكثير من الشعراء فى عصره فيكويهم بأهاجيه، وفى مقدمتهم مثقال وهو محمد بن يعقوب الواسطى، وإبراهيم البيهقى شاعر عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وأبو حفص الوراق، وابن أبى طاهر وابن الخبازة وخالد القحطبى، فقد كان يشبّ مع كل شاعر منهم معركة حامية الوطيس، وكان دائما هو المنتصر لخصب ملكاته وخياله. وتعرض بالهجاء للمبرد لأنه كان يقف فى صف البحترى ضده، وتبعه تلميذه الأخفش فى هذا التعصب ولم يكتف بإعلان رأيه فى شعره ونقده فقد كان يأتيه من قبل تطيره كما أسلفنا، وممن كان يعيب شعره نفطويه النحوى، ولذلك لم يسلم من أهاجيه.

ويظلّه عصر المعتضد منذ سنة ٢٧٩، وكانت قد عادت الخلافة إلى بغداد حاضرتها السابقة منذ سنة ٢٧٦، ويحس كأن الحياة أقبلت عليه وعلى مسقط رأسه كليهما. ويكثر من ذكر المعتضد فى قصائد ومقطوعات مختلفة، ويبدو أنه لم ينشد أمامه واحدة منها، فقد كان تشيعه لا يزال يبعده عن القصر، وفى رأينا أنه


(١) ذيل زهر الآداب ص ٢٣٩.
(٢) الديوان ص ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>