على الشباب من شأنه أن يبكى صاحبه بدموع غزار، ثم أخذ يصوّر سخرية الفتيات بخضابه باكيا الشباب بكاء لاذعا. ويحذف المقدمة أحيانا طلبا للاختصار والوقوف عند عشرات الأبيات لا عند المئات-وتبلغ بعض المقدمات عنده أحيانا نحو مائة بيت-ويتفنن بعد ذلك فى المديح، ومن الطريف أنه كان يلاحظ أن الشعراء فيه يبالغون ويفرطون فى مبالغاتهم فينسبون إلى الممدوحين ما لا يفعلون، مسّة لا تمحى وعار ما بعده عار، حتى ليصدق عليهم قوله تعالى: {(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ)} ويستوحى ابن الرومى الآيات قائلا (١):
يقولون مالا يفعلون مسبّة ... من الله مسبوب بها الشعراء
وما ذاك فيهم وحده بل زيادة ... يقولون مالا يفعل الأمراء
فهم يقولون ما لا يفعلون، وليس ذلك فحسب، بل يقولون أيضا ما لا يفعل الأمراء. كذبا وبهتانا. وكأن ابن الرومى أحسّ فى قوة ما كان يحمله المديح لعصره من كذب صراح. وإذا كنا لاحظنا أنه حاول التنويع فى مقدمات المديح فإننا نلاحظ أنه حاول التنويع فى المديح نفسه، فإنه لم يقصره على المعانى المطروقة، ويوضح ذلك مديحه لعلى بن يحيى المنجم فى بائيته التى أشرنا إليها، آنفا، فإنه مضى فيها يمدحه على هذه الشاكلة:
لوذعىّ له فؤاد ذكىّ ... ماله فى ذكائه من ضريب
ألمعىّ يرى بأول ظنّ ... آخر الأمر من وراء المغيب
لا يروّى ولا يقلّب كفّا ... وأكفّ الرجال فى تقليب
حازم الرأى ليس عن طول تجري ... ب لبيب وليس عن تلبيب
يتغابى لهم وليس لموق ... بل للبّ يفوق لبّ اللبيب
ليّن عطفه فإن ريم منه ... مكسر العود كان جدّ صليب
وواضح أن هذا مديح من نوع غير مألوف، مديح بالطباع والشمائل والملكات؛