للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صرعه جنده وقواده الأتراك الذين فسح لهم فى الحكم والسلطان والتسلط، فإذا هم يسفكون دمه غير مراعين عهدا ولا ذمّة. وسرعان ما يتوفّى ابنه المنتصر الذى خلفه، ويصبح الخلفاء لعبة فى أيديهم، فيولّون المستعين ويخلعونه ويقتلونه، ويولّون المعتز (٢٥٢ - ٢٥٥ هـ‍) وكان لا يزال فى نحو العشرين من عمره، وكان جميل الوجه، وكأنما ورث جمال أمه الرومية التى سماها المتوكل قبيحة لجمال صورتها، من أسماء الأضداد، وكان مرهف الحس رقيق الذوق دقيق المشاعر، مما أنطقه بالشعر المصفّى. وكان يعكف على اللهو والصيد، فمجالسه لا تزال غاصة بشارية وعريب وزنام وابن بنان وغير هؤلاء من المغنيات والمغنين، ومواكبه لا تزال ذاهبة آيبة من الصيد. وفى مواضع مختلفة من كتاب الديارات للشابشتى نرى قصفه وشرابه وسماعه للغناء فى قصره وفى بعض الأديرة (١)، ونطلع على جانب من ترفه فى قصريه «الزوّ» و «الكامل» بسامراء، ومرّ بنا وصف البحترى للقصر الأخير وبستانه الممتد أمامه، ولعله نفس البستان الذى كان يزخر بالحيوانات، والذى كان يتسلّى بالفرجة فيه هو وأصدقاؤه على السبع والفيل كيف يتواثبان (٢).

وكانت أم عبد الله بدورها من الجوارى، ولعلها كانت أيضا رومية الأصل مثل جدته، فقد كان جميل المحيّا، وورث عن أبيه كل طباعه، فهو مثله جميل السجايا رقيق المشاعر. وكان ذكى القلب صافى العقل، فأضاف إلى ترفه الذى نشأ منغمسا فيه إقبالا متصلا على الدرس منذ نعومة أظفاره، حتى ليلفت ذلك البحترى، وهو لا يزال فى التاسعة من عمره، فيمدحه قائلا (٣):

أبا العباس برّزت على قوم‍ ... ك آدابا وأخلاقا وتبريزا

فأما حلبة الشعر فتستولى ... على السبق بها فرضا وتمييزا


= وفوات الوفيات ١/ ٢٤١ ومرآة الجنان لليافعى ٢/ ٢٢٥ وشذرات الذهب ٢/ ٢٢١ والنجوم الزاهرة ٣/ ١٦٤ وفى مواضع مختلفة وعبد الله بن المعتز العباسى لمحمد عبد العزيز الكفراوى (طبع مكتبة نهضة مصر) بالقاهرة وديوانه طبعة بيروت، وهى التى ترجع إليها وطبعة القاهرة، وطبع بعض المستشرقين منه جزءين فى إستانبول. وتوجد منه مخطوطة برواية الصولى بدار الكتب المصرية.
(١) الديارات ص ١١٠، ١٦٤.
(٢) الديارات ص ١١١.
(٣) ديوان البحترى ٢/ ١١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>