للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله فى الكلاب طرديات كثيرة يأتسى فيها بأبى نواس، بل هو فى طردياته جميعا يأتسى به ويحاكيه حتى فى ألفاظه التى يفتتح بها تلك الطرديات، من مثل: قد أغتدى. وقد مضى فى إثره يتحدث عن ضمورها ومتانة أعضائها وشدة سمعها وحدّة براثنها ونشاطها وسرعة عدوها على شاكلة قوله فى إحدى طردياته (١):

ومخطف موثّق الأعضاء ... ذى أذن ساقطة الأرجاء (٢)

كوردة السّوسنة الشّهلاء ... وبرثن كمثقب الحذّاء (٣)

ومقلة قليلة الأقذاء ... صافية كقطرة من ماء

تنساب بين أكم الصحراء ... مثل انسياب حيّة رقطاء (٤)

وله طرديات أخرى فى الفهد، وفى قوس البندق، ويكثر فيها جميعا من التشبيهات والصور الطريفة، ومن الحق أنه كان بارعا فى تصوير أى شئ يلم به من كوكب فى السماء أو نجم أو سحابة أو رياض وأزهار فى الطبيعة المتحضرة أو حيوانات وأطلال فى الطبيعة المتبدية، وليس بين المحدثين من وصف الحيّة وصفه لها فى قوله (٥):

كأنّنى ساورتنى يوم بينهم ... رقشاء مجدولة فى لونها بلق

كأنها حين تبدو من مكامنها ... غصن تفتّح فيه النور والورق

ينسلّ منها لسان تستغيث به ... كما تعوّذ بالسّبّابة الغرق

وله مراسلات بالشعر بينه وبين إخوانه وهى تكثر كثرة تجعلنا نظن ظنّا أنه من أوائل من أعدوا لفتح باب الإخوانيات فى الشعر العربى، وهو فى طائفة منها ينحو نحو الدعابة. ويكثر فى شعره-كما قدمنا-من التفكير فى الموت ومصير الحياة


(١) الديوان ص ١٨ وأشعار أولاد الخلفاء ص ٢٠٧.
(٢) مخطف: ضامر. ساقطة الأرجاء: شديدة السمع.
(٣) السوسنة: الزنبقة.
(٤) رقطاء: رقشاء أى بها نقط سود وبيض.
(٥) الديوان ص ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>