للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك، ولعل هذه الفتن نفسها هى التى جعلته ينأى بنفسه عن بغداد وتقديم مدائحه لوزرائها وحكامها المختلفين. على أنه كان كثير المقام بالرقة، وكان يمدح بعض ذوى الوجاهة والنباهة بها ولكنه لم يفكر فى مديح أمرائها الحمدانيين، إلا إذا كانت هناك أشعار أخرى لم يحملها ديوانه خصّها بمديحهم.

على أن هذا الجانب يجعلنا نفكر فى شأن تشيعه، فديوانه يمتلئ بمراث لآل البيت وللحسين خاصة، مما يؤذن بأنه كان متشيعا حقّا، وهو يذكر فيه ما يؤمن به الشيعة من أن الخلافة ليست مفوضة للأمة وأنها تنتقل بالوصية من الرسول إلى على وأبنائه، على نحو ما نرى فى مثل قوله (١):

حباه بالوصيّة إذ ... حباه وهو ذو دنف

ويبدو أنه لم يكن غاليا فى تشيعه، بل يبدو أنه لم يعتنق مذهب الإمامية الاثنى عشرية الذى كان قد أخذ ينتشر فى بعض أركان العراق لعصره. وفى ديوانه قصيدة وجّه بها إلى جعفر بن على صاحب الزاب فى المغرب الأوسط، وصلة جعفر وأبيه على بالدعوة الإسماعيلية التى كانت قد أخذت فى الذيوع بتلك الديار مشهورة، ولكن ينبغى ألا نفهم من ذلك أن الصنوبرى كان على صلة بتلك الدعوة لا فى مقرها الجديد بالمهدية فى المغرب ولا فى مقرها القديم بسلمية فى الشام (٢)، وقد يؤكد ذلك أننا نجده يهاجم القرامطة (٣) الذين كانوا متصلين بتلك الدعوة حين أغاروا على الحجيج يوم التروية لسنة ٣١٧ وقتلوهم قتلا ذريعا، كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع. وربما كان أكثر من ذلك تأكيدا أننا نجده يمدح زيادة الله بن الأغلب صاحب تونس، بعد أن هزمه أبو عبد الله الشيعى داعية الفاطميين لسنة ٢٩٦، وخرج من بلاده إلى العراق وأقام-حسب أوامر الخليفة-بالرقة (٤)، وظل بها حتى توفى سنة ٣٠٤ للهجرة (٥). ونرى الصنوبرى حينئذ يمدحه بغير قصيدة (٦) ولو أنه كان على صلة بالدعوة الفاطمية الإسماعيلية ما نظم فيه بيتا مثنيا عليه أو مادحا. ونجده


(١) الديوان ص ٣٩٨.
(٢) فى ديوانه مديح لصديق هاشمى من سلمية هو أبو إسحق السلمانى، ولكن ليس فى مديحه له ما يصور شيئا من الدعوة الإسماعيلية.
(٣) الديوان ص ٩٦.
(٤) النجوم الزاهرة ٣/ ١٦٨.
(٥) النجوم الزاهرة ٣/ ١٩٠.
(٦) الديوان ص ٣١٧، ٤٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>