للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما صوّرناه فى غير هذا الموضع. ويبدو أن الواثق لم يكن يعجب به ولا بشعره فنفاه إلى اليمامة، فلما ولى الخلافة بعده المتوكل بعث إلى ابن أبى دؤاد مستشاره بقصيدة مدحه بها، ذم فيها ابن الزيات وزير الواثق ذمّا قبيحا، وكان المتوكل قد قبض على أمواله وعذّبه فى تنّور من خشب ملأه بمسامير من حديد حتى مات فقال فيه مروان:

وقيل لى الزّيّات لاقى حمامه ... فقلت أتانى الله بالفتح والنّصر

لقد حفر الزيات بالغدر حفرة ... فألقى فيها بالخيانة والغدر

وكان ابن الزيات أول من عمل هذا التنّور، وعذّب به نفرا. وما إن صارت القصيدة إلى ابن أبى دؤاد حتى طار إلى المتوكل وأنشده البيتين السالفين، فأمره بإحضاره. فقال له إنه باليمامة، كان الواثق نفاه لمودّته لأمير المؤمنين، وعليه دين: ستة آلاف دينار، فقال المتوكل: يعطاها. فأعطيت له، وجئ به إلى سامرّاء، فدخل على المتوكل وأنشده قصيدة لامية يقول فيها:

كانت خلافة جعفر كنبوّة ... جاءت بلا طلب ولا بتنحّل

وهب الإله له الخلافة مثلما ... وهب النبوة للنبىّ المرسل

فأمر له بخمسين ألف درهم. وأخذت هبات المتوكل الغدقة تنثر عليه نشرا، فهو يغدو ويروح عليه بالمدائح، والمتوكل يسبغ عليه عطاياه، وكان مما أخذ فيه نوالا كبيرا قصيدته التالية التى أنشدها المتوكل حين عقد ولاية العهد لأبنائه الثلاثة:

محمد المنتصر وعبد الله المعتز وإبراهيم المؤيد، وفيها يقول:

ثلاثة أملاك فأما محمّد ... فنور هدى يهدى به الله من يهدى

وأما أبو عبد الإله فإنه ... شبيهك فى التقوى ويجدى كما تجدى

وذو الفضل إبراهيم الناس عصمة ... تقىّ وفىّ بالوعيد وبالوعد

فأولهم نور وثانيهم هدى ... وثالثهم رشد وكلهم مهدى

فلما أتمّ إنشادها أمر له المتوكل بمائة وعشرين ألف درهم وخمسين ثوبا وببغلة وفرس وحمار، فما برح حتى قال فى شكره:

<<  <  ج: ص:  >  >>