تخيّر ربّ الناس للناس جعفرا ... فملّكه أمر العباد تخيّرا
حينئذ ردّ عليه ضياعه التى كان ابن الزيات قد صادرها، وجعل له راتبا فى الديوان، ولعل أهم من كل هذا المديح أنه دافع بحرارة فى جوانب من مديحه عن حقوق العباسيين فى الخلافة مؤتسيا فى ذلك بجدّه مروان بن أبى حفصة، وائتسى به أيضا فى الرد على العلويين ونقض ما يدّعونه من وراثة الرسول فى الخلافة، إذ هم أبناء السيدة فاطمة الزهراء والعمّ مقدم على أولاد البنت فى الوراثة حسب حكم الشريعة. ومن خير ما يصور ذلك عنده قصيدته الميمية التى تمضى على هذا النمط:
ملك الخليفة جعفر ... للدين والدنيا سلامه
لكم تراث محمّد ... وبعدلكم تنفى الظّلامه
يرجو التراث بنو البنا ... ت وما لهم فيها قلامه
والصّهر ليس بوارث ... والبنت لا ترث الإمامه
أخذ الوراثة أهلها ... فعلام لومكم علامه
وهو يشير بوضوح فى الأبيات إلى أن مصاهرة على بن أبى طالب للرسول عليه السلام لا توجب له وراثة، كما يشير إلى أن السيدة فاطمة بنت، والبنت لا ترث الولاية على المسلمين ولا تحق لها الإمامة، فكيف تورث الإمامة من قبلها؟ والشريعة واضحة فى ذلك. وطار المتوكل حين سمع القصيدة ابتهاجا، وقلّده اليمامة والبحرين وخلع عليه أربع خلع، وخلع عليه ولى عهده المنتصر. وأمر المتوكل له بثلاثة آلاف دينار فنثرت على رأسه، وأمر ابنه المنتصر وسعدا الإيتاخىّ يلتقطانها له دون أن يلتقط هو منها شيئا إكراما له، ويقال إنه حشا فمه جوهرا، ومن طريف ماله فيه قوله:
تخشى الإله فما تنام عناية ... بالمسلمين وكلهم بك نائم
لو كان ليس لهاشم فيما مضى ... سلف سنواك لقدّمت بك هاشم
وقال بعض معاصريه إن المتوكل أعطاه مائتى ألف دينار من ورق (فضة)