أحببت من أجله من كان يشبهه ... وكلّ شئ من المعشوق معشوق
حتى حكيت بجسمى ما بمقلته ... كأن سقمى من جفنيه مسروق
وقوله يصف الدموع فى ساعة الوداع، وهى تسقط بيضاء سقوطا متتابعا على خدود حمراء حمرة الورد فى الربيع:
لو كنت يوم الوداع حاضرنا ... وهنّ يطفئن لوعة الوجد
لم تر إلا الدموع جارية ... تسقط من مقلة على خدّ
كأن تلك الدموع قطر ندى ... يقطر من نرجس على ورد
وكان ينفذ فى أثناء ذلك إلى كثير من الصور النادرة الغريبة التى تنبئ عن شاعرية جيدة من مثل قوله فى بيان إعجابه بغناء إحدى القيان:
وغناء أرق من دمعة الصّ ... بّ وشكوى المتيم المهجور
وله فى وصف أرمد ومحاولة تعليل رمده بعلة غريبة لا تقع إلا فى عقل واهم بعيد الخيال بيتان كان القدماء يعجبون بهما إعجابا شديدا إذ يقول:
يكسر لى طرفا به حمرة ... قد خلط النرجس فى ورده
ما احمرت العين ولكنه ... يكحلها من وردتى خدّه
وكأن هذه الأبيات وما وراءها من أبيات فى الخمر لم نروها كانت تصدر عن نفسه، مما جعل صياغتها سويّة وأخيلتها بديعة بعيدة الغرابة فى بعض الأحيان. وله بجانب ذلك حكم يصوّر فيها عبر الدهر ومواعظه من مثل قوله:
يا بانيا والدهر فى نقضه ... يا راكضا يسرع فى ركضه
يلهو وأيدى الموت أخّاذة ... من طوله طورا ومن عرضه
فالإنسان يبنى. ولا يعرف أن داره ستنقضّ بعد أيام، بل هو نفسه سينقضه الدهر ويحيله ضعفا من بعد قوة. يوهن عظمه وينحل جسمه، ويحنى