التقية أصلا من أصوله، فكان يعمل سرّا وقلّما عمل جهرا، وكان يأذن لأنصاره أن يمدحوا العباسيين تقيّة، ومضى كثيرون منهم يمدحونهم طلبا لما فى أيديهم من أموال، وهم يسرّون لهم كرها وحنقا، ومن هنا كنا كثيرا ما نقرأ عن شاعر أنه مدح هذا الخليفة أو ذاك ويقال إنه كان يتشيع. وهم أكثر من أن نسميهم أو نحصيهم. وملاحظة ثالثة هى أنه قيل شعر شيعى كثير فى العصر، وهو موزّع بين بعض آل البيت وبين أنصارهم ممن يشدون الشعر وينظمونه، ومن أهم الشعراء العلويين حينئذ محمد بن صالح العلوى الآنف ذكره والحمّانى وسنخصه هو الآخر بترجمة قصيرة، ومنهم محمد (١) بن على بن عبد الله أحد أحفاد العباس بن على بن أبى طالب، وكان فى أيام المتوكل، وهو يكثر من الافتخار بآبائه وبنسبه الطاهر إلى الرسول الكريم، ويردّد فى أشعاره نظرية بيته العلوى فى الخلافة وأن الرسول عليه السلام أوصى بها إلى جده على حين نزل بغدير خمّ إذ قال له:
«أنت منى بمنزلة هرون من موسى» وإلى ذلك يشير بقوله:
وجدّى وزير المصطفى وابن عمّه ... علىّ شهاب الحرب فى كل ملحم
وأول من صلّى ووحّد ربّه ... وأفضل زوّار الحطيم وزمزم
وصاحب يوم الدّوح إذ قام أحمد ... فنادى برفع الصوت لا بتهمهم
جعلتك منى يا علىّ بمنزل ... كهرون من موسى النجىّ المكلّم
وما نصل إلى سنة ٢٥٠ فى عصر المستعين حتى تثور ثائرة الشعراء الشيعيين، وذلك أنه كان قد أعلن الثورة فى الكوفة يحيى بن عمر الطالبى، وكان قد تورّع عن أخذ أموال الناس ظلما وأمر بحقن الدماء، وكان ورعا زاهدا ناسكا، فتبعته ألوف، ونشب القتال بينه وبين جيوش محمد بن عبد الله بن طاهر حاكم بغداد وجنوبى العراق. وتمزّقت جموعه، وخرّ قتيلا، وحمل رأسه إلى بغداد. وضجّ الناس لمقتله وصلب رأسه، ويروى أنه لما جلس محمد بن عبد الله بن طاهر للشعراء يستقبل تهانيهم بالفتح دخل عليه أبو هاشم الجعفرى، وقال له: أيها الأمير إنك لتهنّأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه حيّا لعزّى به، فلم يجبه