وطبيعى أن تفقد القصيدة العذوبة لأنها إلى الشعر التعليمى أقرب منها إلى الشعر الغنائى وافر النغم والألحان. وليس معنى ذلك أن شعره جميعه يجرى على هذا المنوال فالأبيات السابقة فى مديح الزينبى أسلوبها مستو وليس فيه استواء فقط، بل أيضا فيه جزالة ورصانة. ويقول الثعالبى إن شعره كثير الحلاوة يكاد يقطر منه ماء الظرف من مثل قوله:
زفرات تعتادنى عند ذكرا ... ك وذكراك ما تريم فؤادى
وسرورى قد غاب عنى مذ غب ... ت فهل كنتما على ميعاد
ليس لى مفزع سوى عبرات ... من جفون مكحولة بالسّهاد
وبحسبى من المصائب أنى ... فى بلاد وأنتم فى بلاد
وكان مثل أستاذه ابن دريد لا يجد بأسا فى أن يقبل أحيانا على الشراب، إذا صح ما روى عنه من احتساء الخمر، ونراه يصف مجلسا من مجالسها فى ليلة من ليالى الأنس بها، يقول:
أداروها وللّيل اعتكار ... فخلت الليل فاجأه النهار
فقلت لصاحبى والليل داج ... ألاح الصّبح أم بدت العقار
فقال: هى العقار تداولوها ... مشعشعة يطير لها شرار
ولولا أننى أمتاح منها ... حلفت بأنها فى الكأس نار
وبين أشعاره مقطوعات فى بعض الغلمان، ومرّ بنا ما قلناه من أن أكثر ما كان ينظمه الشعراء فيهم إنما كانوا ينظمونه دعابة وفكاهة على مجالس الخمر بقصد التندير والضحك، ولذلك كان ينبغى ألا نصنع صنيع المستشرقين فى تضخيمهم لهذه السّوءة سواء عند المفجع البصرى أو عند غيره. ورآه «متز» ينظم قصيدة فى الجامع الكبير بالبصرة ومن فيه من الغلمان قائلا: