للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على هؤلاء الشعراء الثوار ومن كان يعينهم أحيانا بأشعاره من أنصارهم. ونلاحظ أن هؤلاء الشعراء من الأنصار لم تهتم بهم كتب التاريخ، فهى دائما تسوق ما قيل فى انتصارات العباسيين على الثوار ولا تعنى أى عناية بما قاله أصحاب هؤلاء الثوار فى قليل ولا كثير.

ومن أوائل من ثاروا فى العصر محمد بن البعيث لعهد المتوكل سنة ٢٣٤ وكان يحسن الشعر، وسنعرض له فى موضع آخر. وما نصل إلى رمضان لسنة ٢٥٥ للهجرة حتى يشعل فارسى ثورة الزنج بالبصرة متزعما لها، وفصّلنا فى الفصل الأول القول فى هذه الثورة وكيف دوّخت الدولة العباسية وعرّضتها لكارثة عظيمة، إذ استطاع أن يستثير الزنج ويجعلهم يستشعرون سخطا هائلا على كبار الملاّك الإقطاعيين الذين كانوا يسخرونهم فى كسح أرض البصرة وزرعها دون أى رحمة أو شفقة وبأجور زهيدة لا تكاد تحقق لهم غذاء ولا كساء. وتجمّع حوله الزنج واستحالوا إلى جيش لجب اجتاح جنوبىّ العراق وكاد يجتاح العراق كله فى بعض الأوقات لولا أن تجرد لهم ولزعيمهم الموفق ولى عهد الخليفة المعتمد، كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، وكان بطلا مغوارا لا يشقّ غباره، وكانت الجيوش توالت فى حرب هذا الثائر وأصحابه، وكان يمزقها شر ممزق، حتى تولى قيادتها الموفق، فاستحالت الهزيمة نصرا، ولكن أى نصر؟ لقد كان نصرا بطيئا، إذ كانت تقف بينه وبين الثوار مستنقعات البصرة، وظل يأخذها منهم قطعة قطعة.

ومن المحقق أن هذه الثورة أقدم ثورة عرفها العرب فى المطالبة بالحرية ونقض الاسترقاق وتحقيق العدل الاجتماعى، ولكن زعيمها لم يمض بها فى السعى إلى هذه الغايات كما كان يعد فى أول ثورته، فقد استباح فى حروبه استرقاق الأحرار، وكأنما ألغى ردّه الحرية على الزنج بفرضه الاسترقاق على غيرهم، فانعكست صورة الاسترقاق، ولكنها ظلت كما هى وظلت طبقات من الناس تسترقّ طبقات أخرى. وكان قد رأى إنجاحا لثورته أن يضفى عليها مسحة دينية، كما مر بنا فى الفصل الأول، فأشاع فى الناس أن اسمه على بن محمد وأنه من سلالة زيد بن على بن الحسين، حتى يؤمنوا بأنه صاحب حق شرعى فى الخلافة وأن من حقه الثورة على العباسيين، بل من حقه عليهم أن ينصروه ويؤازروه. وانضم إليه كثيرون من

<<  <  ج: ص:  >  >>