للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحرار وأعراب البوادى بجانب من انضموا إليه من الزنج وعبيد العراق، ولكن ثورته باءت-بعد أربعة عشر عاما من المعارك العنيفة-بالإخفاق الذريع.

ولا نريد أن نقف عند هذه الثورة الآن وما كان من صاحبها الذى ظلت ثورته أربعة عشر عاما أو تزيد، والذى كان يسرف فى القتل وسفك الدماء، حتى قالوا إنه قتل فى البصرة فى يوم واحد من غاراته الكثيرة ثلاثمائة ألف، وإنه كان ينهب أصحابه الأموال ويحرق الدور والقصور. كل ذلك لا نريد أن نقف عنده، ولا عند ما يقال من أنه كان دائما يخطب فى أنصاره (١). إنما نريد أن نقف عند ما بقى لنا من بعض أشعاره (٢). يقول المرزبانى: «تروى له أشعار كثيرة فى البسالة والفتك»، ويذكر أن ابن دريد كان يؤكد أنها من نظمه وأنها قرئت عليه أمامه، فشهد بأنها له، ولم ينكرها، وكأن من معاصريه من كان يشكّ فى أنه شاعر يحسن صنع الشعر ونظمه، مما جعل ابن دريد يؤدى الشهادة السالفة. وكان من قرية تسمى ورزنين بإيران، وكأنه تلقّن فيها من الآداب العربية ما جعله يحسن الخطابة والشعر جميعا، وله يخاطب بنى العباس:

بنى عمّنا لا توقدوا نار فتنة ... بطئ على مرّ الليالى خمودها

بنى عمنا إنا وأنتم أنامل ... تضمّنها من راحتيها عقودها

بنى عمنا ولّيتم التّرك أمرنا ... بديئا وأعقابا ونحن شهودها

فأقسم لا ذقت القراح-وإن أذق ... فبلغة عيش-أو يبار عميدها (٣)

وهو يسوق كلامه إلى العباسيين كأنه حقّا ابن عمهم على بن أبى طالب أو حفيده، ويزعم أنهم يوقدون ضده نار فتنة، وكان ينبغى أن يستسلموا له فليسوا جميعا إلا أنامل يد هاشمية واحدة. ويلومهم أن أسلموا قيادة الدولة للأتراك، وأنه سيجاهدهم جهادا مريرا. وكان يكثر من تصوير ما يجرى فى قصورهم من خمر ومجون ينبغى أن تبرأ منه


(١) الطبرى ٩/ ٤١٤ وما بعدها.
(٢) انظر فى أشعار صاحب الزنج معجم الشعراء للمرزبانى ص ١٤٨ وذيل زهر الآداب ص ١٥٥ وما بعدها.
(٣) الماء القراح: البارد العذب. بلغة العيش: أقل ما يكفى. يبار: يهلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>